منتدى شباب المغرب
:

***ألف مرحبة بكل الناس الطيبة في منتدى شباب المغرب*** .

مرحبا بك عزيزي الزائر. المرجوا منك أن تعرّف بنفسك و تدخل المنتدى معنا. إن لم يكن لديك حساب بعد, نتشرف بدعوتك لإنشائه.
منتدى شباب المغرب
:

***ألف مرحبة بكل الناس الطيبة في منتدى شباب المغرب*** .

مرحبا بك عزيزي الزائر. المرجوا منك أن تعرّف بنفسك و تدخل المنتدى معنا. إن لم يكن لديك حساب بعد, نتشرف بدعوتك لإنشائه.
منتدى شباب المغرب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى شباب المغرب

التانوية التأهيلية زينب النفزاوية
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 دستور الإنسان المعاصر

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
يوسف هاشم محمد نجم
عضو جديد



ذكر
عدد الرسائل : 8
العمر : 77
تاريخ التسجيل : 20/09/2011

دستور الإنسان المعاصر Empty
مُساهمةموضوع: دستور الإنسان المعاصر   دستور الإنسان المعاصر I_icon_minitimeالثلاثاء سبتمبر 20, 2011 2:17 pm

لســــان العصــــر


{وَمَن أحسَنُ دِيناً مِّمَّن أَسلَمَ وجهَهُ لله وهُو مُحسِنٌ
واتَّبَعَ مِلّةَ إِبرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتّخَذَ اللهُ إِبرَاهِيمَ خَلِيلاً}
(125 النساء )


سلسلة لسان العصرفي سبيل تكوين تجمع العصر لتعظيم سيد العصر

محمد بن عبد {الله}
عليه وعلى آله أفضل الصلاة وأتم التسليم

دستور الإنسان المعاصر
تقديم : يوسف هاشم محمد نجم


تـنويه

ورد على غلاف هذا الكتاب بأنه تقديم : يوسف هاشم محمد نجم . نرجو التنويه بأن كلمة تقديم وردت بدلاً عن كلمة : { تأليف } أو {المؤلف }.ولقد قصدنا بإيراد كلمة
{ تقديم } بدلاً عن كلمة { تأليف } أن نؤكد أن المؤلف الحقيقي هو {الله} وما نحن إلاّ أداة تقديم لإلهامات وردت على الخاطر من لدن العالم المعلّم الأول والآخر :
{الله}
خالق كل شيء وهو الواحد القهّار


ماذا نعني بتجمع العصر
{ بسم الله الرحمن الرحيم }
الاسم :-
تجمع العصــــر لتعظيم سيد العصر

سيد العصر هو صاحب المقام المحمود عليه أعظم الصلاة وأتم السلام، هو الذي سيأتي ليملأ الأرض عدلاً، سلاماً وأمناً على ميزان المحبة والرحمة.و ليس للمقام المحمود من صاحب غير سيدنا وحبيبنا وغرّة أعيننا محمد بن عبد {الله}عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.و معنى تعظيمه هو أن نعمل على تمهيد طريق قدومه المنتظر.
ولقد طلب منا عليه أفضل الصلاة وأتم ألتسليم أن ندعو له عند وفي كل وقتٍ رُفع فيه النداء بالطلب لفتح أبواب السماء لتحقيق الصلة بالرب أن نقول: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاةالقائمة آتي محمداً الوسيلة والفضيلة وأبعثه مقاماً محموداً الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد.
والوعد كان قد جاء هكذا :
{ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربّك مقاماً محمودا }
[79 الإسراء]

المرشد:-
هو محمد بن عبد {الله}
النبي الأميّ المبعوث رحمة للعالمين كافة عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم

الأعضاء:-

هم كافة العالمين من إنس و جن. الطفل والطفلة، الصبي والصبية، الشاب والشابة، الذكر والأنثى.المسلم، المسيحي،اليهودي، البوذي الهندوسي الزرادشتي، الكنفوسيوشي، الماركسي وجميع من هم بخلاف ذلك من أمة {الله} الذين وسعتهم رحمة الرحمن.

المقر:
في كل بقعة مباركة من أرض {الله} الواسعة
وفي قلب كل عبد من عبيد {الله} يسكنه الرب.

المركز الرئيسي:

يُشيّد أعظم مبنى بعد الكعبة المكرّمة والمسجد النبوي المشرّف والمسجد الأقصى المبارك فوق البعد الرابع من على وجه الأرض في البقعة المباركة حيث التقى موسى العقل بالخضر القلب في مقرن النيلين في الخرطوم ليكون مركز الانطلاق لتعظيم النبي محمد بن عبد {الله} والدعوة لتطبيق منهاج السنة النبوية المشرفة.ثم بعد ذلك لاحقاً ليكون مقراً للحكومة العالمية، وبناء على ذلك يجهز هذا المبنى بحيث يلبي أغراض ذلك بصورة شاملة.هذا البنيان يجب أن يشمل استوديوهات للبث التلفزيوني والإذاعي والاتصالات وقاعة مؤتمرات عالمية كبرى بالإضافة إلى المرافق الضرورية لخدمة العاملين.
الدستور:
هو قول النبي محمد بن عبد {الله}عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم:
( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)
(راجع كتابنا: دستور الإنسان المعاصر)
وعليه فإن هذا التجمع ليس بحزب سياسي ولا بطائفة دينية، ولا برابطة إقليمية.
شعار هذا التجمع:
قول {الله} تبارك وتعالى وقوله الحق المبين :
{ لا إكراه في الدّين قد تّبيّن الرّشد من الغيّ
فمن يكفر بالطّاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى
لا انفصام لها والله سميع عليم }
[256 البقرة]
آلية الدعوة:
{أدعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة
و جادلهم بالتي هي أحسن
إن ربك هو أعلم بمن ضلّ عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين}
[125 النحل]
{ الله }
جلّ جلاله وتباركت أسماؤه

{إنّ الّذين قالوا ربّنا الله
ثمّ استقاموا
فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون}
[13 الأحقاف]

{ إنّ الّذين قالوا ربّنا الله
ثمّ استقاموا
تتنزّل عليهم الملائكة
ألاّ تخافوا ولا تحزنوا و أبشروا بالجنّة الّتي كنتم تُوعدون }
[30فُصّلت ]


المقدّمة
{ ومن أحسنُ ديناً مّمّن أسلم وجهُ لله وهو محسنٌ
واتّبع ملّة إبراهيم حنيفاً واتّخذ اللهُ إبراهيم خليلاً }
[ 125 النساء ]
هذا الكتاب نرجو له أن يكون كعصا موسى عليه السلام ليلقف كل الإفك المستشري بين البشر؛ كل صور التخلف والتسلّط الاجتماعي كل الدجل والشعوذة الممارسة باسم الأديان السماوية المختلفة والتي تعتنقها طوائف من البشر مختلفة .

الآية :
{ فتقطّعوا أمرهم بينهم زبرا
كلّ حزب بما لديهم فرحون }
[53المؤمنون]

كل آفات التخلف في الفكر والسلوك . كل الجهل والتعصّب والهوس العقائدي . كل الظلم الواقع من الإنسان على أخيه الإنسان . كلّ تداعيات ودوافع آفة العصر :
((((( الإرهاب ))))). هذا الكتاب هو الخطاب الّذي تنتظرون : يحمل البشرى بفهم جديد به سيكون الخلاص بإذن {الله} تبارك وتعالى . به تشرق شمس الشريعة من جديد تُذهب الزبد جفاء ويبقى ما ينفع الناس سلاماً وأمناً ومحبة بإذن {الله} تبارك وتعالى الحيّ القيّوم العزيز المقتدر .
هذا الكتاب نرجو له من {الله} العلىّ القدير أن يكون الصّاخة التي تزلزل أركان كل من أعماه الطمع والتكبّر والفجور عن أبسط حقوق أخيه الإنسان , أذلّه واستعبده ولم يخش فيه {الله} سبحانه وتعالى الذي قال :
{ يا أيّها الناس
إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى
وجعلناكم شعوباً وقبائل
لتعارفوا
إنّ أكرمكم عند الله اتقاكم
إنّ الله عليم خبير }
[13الحجرات.]

وقال رسول الهدى والمحبة عليه أفضل الصّلاة وأتم التسليم:

( الخلق كلهم عيال {الله} فأحبهم إلى {الله} أنفعهـم لعياله )
وقال أيضاً :
(كلكم لآدم وآدم من تراب )

شعار هذا الكتاب قول {الله} تبارك وتعالى وقوله الحق المبين :

{ لا إكراه في الدّين
قد تّبيّن الرّشد من الغيّ
فمن يكفر بالطّاغوت ويؤمن بالله
فقد استمسك بالعروة الوثقى
لا انفصام لها
والله سميع عليم }
[256 البقرة.]

هذا الكتاب ؛ يشرفنا أن نعمل على تقديمه من أجل الإنسان . إنه كتاب حقوق الإنسان . هذا الإنسان الذي هو الغاية التي من أجلها خُلقت الأكوان وأُرسلت الرسل وشُرّعت الشرائع. قال {الله} تبارك وتعالى في الحديث القدسي :

{ خلقت الأكوان للإنسان وخلقت الإنسان لي }

وقال في محكم تنزيله تبارك وتعالى :
{ يا أيها الإنسان
إنك كادح إلى ربك كدحاً
فملاقيه }
[6 الانشقاق ]
و قال جلّ جلاله :
{ إنّ إلى ربك الرجعى }
[ 8 العلق.]


فما هي حقوق الإنسان المعاصر ؟
ما هي المعوّقـــات التي تحول دونه والحصول عليها ؟
ما هي الحقوق التي يستحقها ويطالب بها ؟
وكيف السبيل لنيلها ؟ وجعلها من الأمور البديهية المسلّم بها بحيث لا يشقى للحصول عليها مرّة أخرى , بل يجد السبل ممهدة أمامه للاستمتاع بالحياة ويجد الفراغ للسعي لتحقيق الكمال الممكن لحياة الذكر والفكر والشعور بُغية الوصول وتحقيق أعلى مراتب حياة الحب والجمال.
وعند الحديث عن الإنسان المعاصر إنما نقصد مطلق إنسان ذكر كان أو أنثي وذلك بصرف النظر عن العنصر ، العقيدة الدينية و الفكرية، اللون أو اللغة .
نحن نتحدث عن أسرة بشرية واحدة تفترش أرضا واحدة وتلتحف سمـاء واحدة . يعرف بعضهـم بعضا ، ويتشاركون في أفراح وآلام بعضهم البعض . يأوون إلي مساكن متجاورة ، يتواصلون عبر وسائل للاتصال بلغت من التطور درجة عالية بحيث مكّنت أي واحد منهم وهو مستقرّ في مكانه أن يسمع ويري أحوال أخيه الإنسان مهما بعد مكان تواجده .

أما بعد ؛
فان البشرية اليوم بصفة عامة ؛ جميعهم على أعتاب مفترقٍ من الطرق يتطلعون إلى عهد جديد. تكتنفهم الحيرة : كيف السبيل إلى سلام يسود وعدالة تساوي بين هذه الأشتات وهذا التمايز في الفكـر والعرق واللون و مستوى المعيشة . وتشلّ الدهشة تفكيرهم في هذا التطور السريع الخاطف لمجريات الحياة عبر الزمن . والاهتمام واجبٌ أن يكون لأمر إخواننا جميع بني آدم عليه السلام. قال رسول السلام والمحبّة محمد بن عبد {الله} عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التسليم :

( الخلق كلّهم عيال الله فأحبّهم إلى الله أنفعهم لعياله )

حالنا نحن المسلمون ؛ أو كما ندّعي اليوم ، على كثرتنا، أننا غثاء كغثاء السيل لا يبالي {الله} بنا. فنحن ، وقد تداعت علينا الأمم كتداعي الأكلة على القصعة مهزومون على جميع الأصعدة ؛ نزع {الله} من صدور أعدائنا المهابة منا , فقد قذف في قلوبنا الضعف و الوهن .
نحن المسلمون مرشحون لقيادة البشرية للخروج من ظلام الجهل والتخلف إلي أنوار العلم والرقي ولكن ؛ كيف أن فاقـد الشيء يستطيع أن يعطيـه !.فلماذا هذا ؟! وقد قال جلّ من قال :
{ وكان حقاً علينا نصر المؤمنين }
[47الروم ]

{ هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق
ليُظهره على الدين كله
ولو كره المشركون }
[33التوبة]

هذا وعدٌ حقٌ غير مكذوب ولا مٌتراجعٌ عنه ، فهو قولٌ العزيز العظيم الحكيم. وعليه فليراجع المسلمون ما يدّعونه من إيمـان . وليراجعوا تديّنهم ، وليجتهدوا لتصحيح الفهم ومن ثمّ يجاهدوا :
{ والّذين جاهدوا فينا لتهدينّهم سبلنا وإنّ الله لمع المحسنين }
[69 العنكبوت]
فليجاهدوا حتى يتمّ التطبيق لدستورهم هذا العظيم الذي يحكم سيرهم, بل وسير جميع الخلائق على امتداد هذا الكون الشاسع الفسيح إلى النهايـات الموعـــودة :

{ وأنّ إلى ربّك المنتهى }
[42النجم] .

ألا فاعلموا أيّها المسلمون . يا حداة قافلة البشرية في طريق الرجعى إلى من إليه جميع الخلق حتماً راجعون :
{الله الرحمن الرحيم السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبّار}

اعلموا بأنّكم اليوم لستم على شيء. مع أنه مكنون فيكم كلّ شيء . لا أنتم على المحجة البيضاء التي ليلها كنهارها ، ولا أنتم على لبّ من الحضارة الإنسانية المادية . إنما أنتم غثاء كغثاء السيل لا يبالي {الله} بكم . أنتم اليوم أمّة مستهلكة للحضارة الغربية تعيشون في التيه على جرف ينهار بكم كل يوم إلى قاع الانحطاط . وأعلموا بأنكم مع كل ذلك أنتم الأمل وأنتم الخلاص للبشرية . ألا فانتفضوا يا خير أمّة أخرجت للناس وغيّروا ما بأنفسكم حتى يغيّر {الله} حالكم ويصلح ما بكم وبكم يصلح حال النّاس أجمعين .
{ الله يعلم ما تحمل كلّ أنثى
وما تغيض الأرحام وما تزداد
وكلّ شيء عنده بمقدار *
عالم الغيب والشّهادة الكبير المتعال *
سواء مّنكم مّن أسرّ القول أو جهر به
ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنّهار *
له معقّبات مّن بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله
إنّ الله لا يغيّر ما بقوم حتّى يغيّروا ما بأنفسهم
وإذا أراد الله بقوم سوءاً فلا مردّ له وما لهم مّن دونه من وال }
[11 الرّعد]

وإني لأعيذكم ب{الله} من أن تكونوا كآل فرعون . فانتبهوا واحذروا مكر {الله} العزيز الجبّار:

{ كدأب آل فرعون والّذين من قبلهم كفروا بآيات الله
فأخذهم الله بذنوبهم
إنّ الله قويّ شديد العقاب *
ذلك بأنّ الله لم يك مغيّراً نّعمة أنعمها على قوم حتّى يغيّروا ما بأنفسهم
وأنّ الله سميع عليم }
[53الأنفال].

ألا فانتفضوا وانفضوا عن عقولكم هذا الغبار الذي به عميت الأبصار عن رؤية الحق المبين وعجزت البصائر أن تشاهد نور الشريعة الساطع الباهر فانزوت واضمحلّت وعكفت تطوف حول أصنام المظاهر فتخلّفت عن ركب الإنسان المنطلق نحو آفاق النور والمعرفة :

{ وقال إنّما اتّخذتم مّن دون الله أوثاناً مّودّة بينكم في الحياة الدّنيا
ثمّ يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضاً
ومأواكم النّار وما لكم مّن ناصرين }
[25 العنكبوت]

خذوا معاولكم وهدّوا الجدار لتخرجوا كنزكم المدفون تحت ركام الفهم الّذي خلّفه الزمن. ألا يا أمّة الإسلام . يا خير أمّة أخرجت للناس يا من سيجيء نصر {الله} والفتح على أيديكم وبكم يُظهر {الله} الدين الحق على الدين كله . ألا فكفّوا عن الدعاء الذي تتضرعون به إلي {الله} في مساجدكم صباح مساء علي الناس بالويل والثبور والهلاك. وليكن تضرّعكم وابتهالكم ودعاءكم: أن اللهم أهدنا في من هديت . اللهم أهدي جميع الناس إلي دينك دين الحق . اللهم فأصلحنا وأصلحهم وارنا وأريهم سبل الهداية والرشاد . اللهم فعجّل بما وعدت أن يجيء نصرك المؤزر وفتحك المبين وأن يدخل الناس في الدين الحق أفواجا. هذا هو الدعاء الخليق بكم أن تدعونه لتنتسبوا إلي داعي المحبة والسلام محمد بن عبد {الله} عليه أفضل الصّلاة وأزكى السلام.

دستور الإنسان
فما هو هذا الدستور الذي نتحدث عنه؟
إنه دستور السماء , هو أول وهو آخر وهو كل الذي نزل من لدن محبّ حكيم خبير جلّ جلاله ليكون كما في السماء كذلك على الأرض. نعني ب ( كل الذي نزل ) أن كل القول الذي أراد المولي سبحانه وتعالى علوا مطلقا أن يقوله لخلقه قد قاله وختمه بين دفتي المصحف الشريف. وبذلك قد خُتمت النبوّة .
محمّد بن عبد {الله} عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التسليم هو أول الأنبياء . قال :

( كنت نبياً و آدم بين الماء والطين )
و
( أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر )

هذا عندما سأل الصحابي الجليل جابر بن عبد {الله} الأنصاري رضي {الله} عنه , قال :
[ بأبي أنت وأمي يا رسول {الله} ما أول ما خلق {الله}؟ ]

وهو خاتم الأنبياء. عنده انتهت آخر مهمات جبريل عليه السلام في نقل الوحي إلى البشر المصطفين ليكونوا أنبياء .
{ ما كان محمد أبا أحد من رجالكم
ولكن رسول الله وخاتم النبيين
وكان الله بكل شيء عليما }
[40 ألأحزاب ]

هذا الدستور :-
هو علم العليم الخبير أنزله إلى صعيد عالم ملكه إلى البشر قولاً .
وهو إرادة العزيز الحكيم خططها بدقة لا يشوبها خلل على الإطلاق.
فسيّدها وأشار بها إلى رحمته التي وسعت كلّ شيء.
وهو قدرة القادر المقتدر الرءوف الرحيم مالك الملك العزيز المهيمن جلّ وعلا ذو الجلال والإكرام .
فهو جلّ جلاله هو الذي علمه هو إرادته هو أمره هو قوله هو فعله .
وحدانية تنبثق عن ذاته العليّة المطلقة :
{ إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له
كن فيكون }
[82 يس]

إذن ففعله هو , هو علمه . وكل هذا إنما يحكي قصة الحياة منذ بدء الخلق والى أن يرث {الله} الأرض ومن عليها . قٌضي الأمر , رٌفعت الأقلام وجفت الصحف .
وكل ما كان أو سيكون هو كائن الآن : علم , إرادة وقدرة من لدن عليم خبير جلّ جلاله. ذلك لأن حقيقة الزمن هي هذه اللحظة الحاضرة . اللحظة السابقة أصبحت من الماضي الذي فات واللحظة القادمة لمّا تأت بعد .وكذلك فإن حقيقة الحياة هي هنا والآن ؛هي الساعة هي اللحظة [ الزمكانية] الحاضرة .

فما هو هذا الدستور ؟
يقوم هذا الدستور على ثلاث نواحي من العلم :
1– علم الروح :-
ويتعلق بالنفس البشرية ويشمل كل ما هو وسيلة لتنمية العقل البشري وتطويره بهدف تمكينه من سوق النفس البشرية قدما نحو الممكن من كمال العقل الإلهي الكلّي. وهذا في مجمله هو شرائع العبادات المختلفة عبر العصور.

شريعة العبادات
هي وسائل تطوير العقل البشري
والغرض الأساسي منها هو
أن يتحرك العقل ليفكر .

{ وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون}
[21 الحشر]

{ وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نُزّل إليهم ولعلهم يتفكرون}
]44 النحل]

{ قل هل يستوي الأعمى والبصير أفلا تتفكرون}
[50 الأنعام]
{ كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون}
[219 البقرة]

{ أيودّ أحدكم أن تكون له جنّة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات وأصابه الكبر وله ذريّة ضعفاء فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت كذلك يبين الله لكم الآيات لعلّكم تتفكرون}
[266 البقرة]

وقال النبي محمد صلى {الله} عليه وسلم :
( تفكر ساعة خير من عبادة سبعين سنة )

فلعمري كأن التكليف الأساسي هو أن يتفكر وأن يتدبر الإنسان.بل ويمكننا أن نقول بلا أدنى ريب أن تكليف بني آدم وهم قد استووا على مقام درجة البشر بغرض تأهيلهم وترقيتهم إلى مقام الإنسان هو العبادة وفق الإطار الظاهر من الشريعة.وعلى رأس أركان شريعة الإسلام عبادة (الصلاة).
ففي نظر الحكم الشرعي أنت من المصلين مادمت مواظباً على أداء الشكل الخارجي للصلاة.
أما فيم كنت تفكر داخل إطار حركة الصلاة فلا أحد يؤاخذك عليه( الشريعة عليها بالظاهر)
أما الإنسان فتكليفه العبادات بشكلها الظاهر وبمحتواها الباطن معاً لا ينفصلان.وفي مجتمع الإنسان لا يؤاخذك أحد إن لم تواظب علي العبادات لأن الرقيب عليك وفق قوانين مجتمع الإنسان هو نفسك التي بين جنبيك .لأنه {لا إكراه في الدين}وما تؤاخذ عليه في هذا المجتمع هو سوء التصرف.
وهذا لا يعني أن التفكر يغنيك ويسقط عنك العبادة .

لأنك مهما بلغت تفكراً
فهيهات أن تبلغ للكمال حدودا

ذلك لأن العبادة وعلى رأسها الصّلاة هي من أعظم الوسائل المساعدة على التفكّر ؛ ففيها نجد الطمأنينة والرّاحة النفسية التي تؤدّي إلى توازن الجسد وصفاء الذهن . فإن صفيّ الذهن انقشعت الغيوم عن العقل الّذي هو عتبة الفؤاد بوابة القلب ( بيت الرب ) قال الرّحمن الرّحيم جلّ وتباركت أسماؤه في الحديث القدسي :
{ ما وسعني أرضي ولا سمائي
وإنّما وسعني قلب عبدي المؤمن }

ومن ثمّ يتمّ الانتقال من الفكر إلى الذكر.
لقد ذُهل الناس عن التكليف الأساسي في شريعة القرآن وهو:- [ أن يذّكروا ؛ أن يعقلوا ؛ أن يتفكّروا ] ذُهلوا عن ما وُضع من وسائل بغرض المساعدة لإعمال الفكر وجعلوها أعمالاً تؤدى بحكم العادة حتى غدت هي الغاية فتحجروا عندها ولذلك نراهم اليوم صورة تكاد أن تكون مطابقة لما كان عليه الحال في جاهلية القرن السابع التي كانوا فيها يعبدون الأصنام ويقطعون الرحم , فماذا يفعلون اليوم في جاهلية القرن الواحد وعشرين ؟ لقد اتخذوا من مظاهر العبادة أصناماً يعبدونها من دون {الله} . فقد تحجّروا عندها وكأنّها الغاية المرجوة , وبذلك تخلفوا عن مطلبهم الأساسي وهو السير إلي {الله} سبحانه وتعالى واتخاذ العبادة وسيلة للفكر والذكر فلعلهم يعقلون .
والسير إلى {الله} ليس سيراً لمسافة نقطعها أو غاية نبلغها وإنما هو تقريب الصفات من الصفات .

{ قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله }

هذا التخلف عن السير إلى {الله} هو أساس البلاء الذي أصيب به المسلمون . تخلفوا عن ركب الإنسانية المتقدم بخطى حثيثة نحو الرقي ؛ فتقدمت عليهم أمم أخرى ومن ثم أحاطت بهم وسيطرت عليهم جاعلة منهم التابع بعد أن كانوا هم المتبوعين . وهم في غفلة وجهل تفرقوا شيعاً واختلفت أهواءهم فتحاربوا وتحاسدوا وتباغضوا وتنافروا. فإلى متى أنتم غافلون. تدّعون بأنكم أمّة {الله} المختارة فما الفرق بينكم وبين اليهود الذين قالوا بأنهم شعب {الله} المختار وقد اتبعتم سننهم وصدق النبيّ الكريم عليه أفضل الصّلاة وأتم التسليم حين قال :

( لتتبعن سنن من كان قبلكم
شبرا بشبر وزراعا بزراع
حتى لو دخلوا جحر ضبّ خرب لدخلتموه )

والحق هو أن البشرية اليوم تعيش عهد الجاهلية الثانية التي وردت الإشارة اللطيفة إليها في قوله تعالى :
{ وقرن في بيوتكنّ
ولا تبرّجن تبرّج الجاهلية الأولى }
[33 الأحزاب] .
ولقد وردت إشارات في القرآن عديدة وواضحة لمن كان له قلب وألقى السمع وهو شهيد ؛ وضُربت أمثال للناس لعلهم يتفكرون . ألم يقرأ الناس قول المولى عزّ وجلّ :

{ قال الّذي عنده علمٌ من الكتاب أنا ءاتيك به من قبل أن يرتدّ إليك طرفك }
[40 النمل]
كان هذا عهدا قديما في عصر سابق عندما طلب نبي {الله} سليمان عليه السلام أن يُحضر إليه عرش بلقيس:
{ قال يا أيّها الملؤا أيّكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين }
[38 النحل]

وهذا يعني أنه بالعلم والفكر المستنير يمكن أن تنفعل الأشياء . فذلك عبد من عباد {الله} عنده علم من الكتاب أمكنه إحضار عرش بلقيس من بلد بعيد , من اليمن بقوة فكره إلى مملكة سليمان النبي عليه السلام ولعل هذا يقرّب لنـا فهم كيفية بروز الخلـق :

{ إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون }
[8 يس]

ولعل هذا يعني بلا أدنى ريب أن أصل المادة كان علماً . العلم والمادة وجهان لعملة واحدة.
2 – علم المجتمع :
ومراحله ثلاث :-

أ- علم تنظيم الأحوال الشخصية ( الاجتماع )
ويُعنى بمسائل العلاقات الاجتماعية الفردية الخاصة وهو في مجمله يحدد مسار الأسرة من بداية تكوينها بالتزاوج بين رجل و امرأة وأحوال العلاقة الشخصية بينهم, ثمّ علاقة الآباء بالأبناء من حيث الرعاية والتربية , ثمّ الحقوق المتبادلة بينهم .

ب – علم تنظيم الأحوال المعيشية ( الاقتصاد )
ويُعنى بتنظيم وسائل الإنتاج وتوزيع الثروة بين الأفراد.

ج – علم تنظيم أحوال العلاقات العامة ( السياسة )
ويُعنى بتنظيم وإدارة العلاقات العامة بين الناس وعلى رأس ذلك مسائل الحكم والقضاء .
و هذا الثالوث يشكل في مجمله ما يسمى بشريعة المعاملات .

3– علم الكون :-
و يشمل كافة المعارف العاملة على تهيئة البيئة الصالحة لنمو العقل البشري وترقية حياة الإنسان ليكون تعامله وفق قواعد الحب والجمال . وهذه المعارف تشمل الفلك , الطب والهندسة بجميع التفريعات التي تندرج تحتها من أحياء , رياضيات , كيمياء و فيزياء ......الخ



التصحيح

قبل أن نخوض في كيفية ومستوى التصحيح , لابد لنا من تبيين وإثبات المبادئ الأساسية والمرتكزات الثوابت الأزلية القائمة من قبل والآن ومن بعد ظهور هذه الأكوان على أديم الوجود الحسّي وهو ما يمكن أن نسميه { الأسرار الإلهية}.

{1}
أول هذه الثوابت هو أن الألوهية ؛ تباركت وسمت سمواً عظيماً
هي من الكمال بمكان أنها لا تكرر نفسها على الإطلاق .

فلا شيء في الوجود يشبهه شيء آخر بصرف النظر عن تعدد الصور والأشكال والمسميات .
الإنسان جُعل نموذجاً فيه انطوى العـالم كله . وفي هذا البنيان البشري لن تجد شعرة تشبه أخري، لا فيه ولا في جميع البشر الآخرين. أطرافه لا تشبه بعضها . باصمة إصبع لا تشبه أي باصمة إصبع آخر عنده ولا عند أيّ بشر آخر . كذلك نبرات حباله الصوتية لا تتطابق مع أيّ نبرات أخرى . بل ولعل أعجب ما يمكن أن يقال وما يشير إلى كمال الألوهية المطلق هو أن موسيقى نبرات الصوت وهي تخرج من مصدر واحد فإنها لا تتكرر ولا تتشابه إلى آخر ما يمكن تعداده من خصائص فردية.

{2}
ثانياً أنها من الكمال والعلم السابق المطلق بحيث أنها
لا ترجع عن حكم سبق أن أنزلته وحكمت به ؛ قضت به وقدرته.

{الله} سبحانه وتباركت أسماؤه، لا يغير رأيا رآه ؛ تعالى {الله} عن ذلك علواً كبيرا .
( رُفعت الأقلام وجفّت الصحف ) .

{3}
ثالثاً أنه لا يدخل في الوجود ولا يظهر في الحس أو في المعنى
إلا الذي أرادته وسبق به علمها .

وعليه فليس هناك أمر مستأنف ؛ فقد :
( رُفعت الأقلام وجفّت الصحف )

كلمة التوحيد :
{ لا إله إلا الله }
هذه الكلمة العظيمة تعني :
أن {الله} هو وحده خالق الكبيرة والصغيرة .
هو الهادي وهو الذي يضلل .

{ الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض
وجعل الظلمات والنور
ثم الذين كفروا بربهم يعدلون }
[ 1 الأنعام ]

هو الذي جعل الأنبياء والملائكة والرسل لغرض الهداية تنزلا من اسمه الهادي . وهو الذي جعل إبليس لغرض الإضلال تنزلا من اسمه الحكيم .

{ من يهد الله فهو المهتد
ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا }
[17 الكهف]

و بحكمة ما بين الهدى والضلال ينبثق معراج المعرفة يطلب تحقيق اسمه العالم . وكل ذلك وفق تسيير حكيم مطلق لخلقه في سبيل الرجعى إليه. إن ما نتوهم من خيار ما هو إلا ما كتبه {الله} لنا :

{ الله خلقكم وما تعملون }
[96الصّافات]
الحديث الشريف :
( من آمن
فقد آمن بقضـاء وقدر
ومن كفر
فقد كفر بقضاء وقدر
رُفعت الأقلام وجفّت الصحف )
قالوا: ففيم إذاً التعب يا رسول {الله} !؟
قال :
( اعملوا فكل ميسّر لما خُلق له )

{4}
رابعاً أن {الله} تبارك وتعالى القدوس السميع العليم الرحيم
ما أرسل الرسل ولا شرع الشرائع ولا فرض التكاليف إلا من أجل الإنسان .

إلا لمصلحة الإنسان . ليكشف له طريق الرجعى إليه .
ومن لم يلتزم هذا الطريق فقد جهل مصلحة نفسه وفقد الفائدة التي كان أن يستفيد منها شخصيّاً . قال تبارك وتعالى في حديث قدسي :

{ خلقت الأكوان للإنسان وخلقت الإنسان لي }

وقد جعل {الله} تبارك وتعالى الهدى وجعل الضلال نجدين ؛ سبيلين للإنسان يسير بالتقلب بينهم يطلب العودة إلى {الله} ؛ يطلب تحقيق الكمال ليعيش في جنّة الحب والجمال .
ولا يظنن أحد أن {الله} سبحانه وتعالى يحتاج من عباده أن يعبدوه؛ {الله} العزيز المقتدر غنيٌّ بذاته حميدٌ مُحبٌ لذاته تقدست أسماؤه.
قال :
{ إن تكفروا فإن الله غنيّ عنكم
ولا يرضى لعباده الكفر
وإن تشكروا يرضه لكم
ولا تزر وازرة وزر أخرى
ثمّ إلى ربّكم مّرجعكم فينبّئكم بما كنتم تعملون
إنه عليم بذات الصدور }
[7 الزمر]
وقال النبيّ الكريم عليه صلوات {الله} وسلامه :

( لو أنّ جميع أهل الأرض اجتمعوا على أتقى قلب أحدكم
ما زاد ذلك في ملك {الله} شيئاً
ولو اجتمعوا على أفجر قلب أحدكم
ما نقص ذلك من ملك {الله} شيئا )
أو كما قال.

{5}
خامساً أن {الله} سبحانه وتعالى هو الذي
جعل الهدى وجعل الضلال كذلك جعل الثواب وجعل العقاب .
قال تبارك وتعالى:
{ الحمد لله الّذي خلق السماوات والأرض
وجعل الظّلمات والنور
ثمّ الذين كفروا بربهـــم يعدلون }
[1 الأنعام ]
وقال الهادي جلّ جلاله :
{ إنا هديناه السبيل
إما شاكراً وإما كفورا }
[3الإنسان ]

للهدى أرسل الرسل عليهم السلام وعلى رأسهم سيدهم وخاتم النبوة محمد بن عبد {الله} عليه أفضل الصلاة وأتمّ التسليم .
و أرسل إبليس و عليه لعنة من {الله} رسولاً للضلال.
باسمه الهادي جلّ وعلا أرسل الهداة وباسمه الحكيم , جلّ شأنه وحكمته أرسل إبليس .
قال النبيّ الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم :

( من آمن فقد آمن بقضاء وقدر
ومن كفر فقد كفر بقضاء وقدر
رُفعت الأقلام وجفّت الصحف )

من كُتب له الهدى جُعل له الثواب ؛ ومن كُتب عليه الضلال جُعل عليه العقاب . والثواب والعقاب من دواعي المحبة الصرفة من عند {الله} . ذلك أن وسائل العقل للتفكّر والتذكّر هما هذين النقيضين . وهما من أجل الإنسان. وذلك لأن العقل لا يتم له الإدراك إلا بالمقارنة بين نقيضين. فلولا النور ما أدرك الظلام . ولولا الحـلو ما أدرك المالح .
قال رسول {الله} صلى {الله} عليه وسلم :

( إن لم تُخطئوا وتستغفروا
فسيأتي الله بقوم يُخطئون ويستغفرون
فيغفر لهم )

ذلك أن المغفرة من دواعي المحبة الصرفة التي لأجلها وبها خلق {الله} الخلق . ولنضرب مثلاً؛ و{لله} المثل الأعلى :
الوالد يعاقب ابنه إن هو أخطأ . وما والد لا يحب ابنه . ولأنه يحبه يعاقبه على الخطأ ليهذبه ويُقوّمه , ليراه علي أحسن صورة من الاستقامة وحسن الخُلق . فالعذاب الذي يُعذّب به {الله} سبحانه وتعالى خلقه ما هو غير سبيل للتربية والتقويم وما هو إلا المحبة المطلقة .
ومن هنا يمكن لنا حسم مسألة التسيير والتخيير التي أعيت العلماء والفقهاء عبر التاريخ . الإنسان؛ قولاً واحد ؛ ليس له من الأمر شيء الآية الكريمة :
{ والله خلقكم وما تعملون }
[96 الصّافّات ]
قال المولى عزّ وجلّ :
{ إن كلّ من في السماوات والأرض إلاّ آتي الرّحمن عبدا*
لّقد أحصاهم وعدّهم عدّا *
وكلّهم آتيه يوم القيامة فردا }
[95 مريم ]

وقال الواحد الأحد {الله} الصّمد :
{ ولقد جئتمونا فرادا كما خلقناكم أول مرّة }
[94 الأنعام]
فهل للعبد إلاّ أن يسير وفق إرادة سيده؟!
الأمر {لله} وحده لا شريك له. وصاحب الأمر الواحد الأحد الصمد، هو صاحب القوة والقدرة القاهر فوق اختياره، هو المخيّر الأوحد الذي يختار ما يشاء كيفما يشاء ومتى يشاء.ولقد اختار، فيما كان وكائن ويكون،أن يتعرّف ليُعرف.قال:

{ كنت كنزاً مخفيّاً فأحببت أن أُعرف فخلقت الخلق فتعرّفت إليهم فبي عرفوني }

واختياره جل وعلا هو الإنسان.ومن أجل اختياره خلق الأكوان.
قال سبحانه وتعالى:
{ خلقت الأكوان للإنسان وخلقت الإنسان لي }

إذن فالمختار المحبوب الذي وقع عليه الاختيار هو الإنسان.وقولاً واحد لم يكن للمختار خيار في مسألة اختياره ليجعل خليفة في الأرض.

{ وإذ قال ربّك للملائكة إنّي جاعلٌ في الأرض خليفة}
[30 البقرة]

ولأن عوامل هذا الاختيار كان محبة صرفة خالصة صافية وقع المختار ضحية هذا الدلال فتوهم بأنه يمكن أن يختار. وما وقع ذلك في باله إلا نتيجة ما اعتمل في نفسه من شقف ورغبة المحبوب في الاستئثار بكيان المحب جميعه.ولما تمكن منه هذا الوهم حسب أنه الرب الأعلى فطغى وتكبر.

{ كلا إن الإنسان ليطغى* أن رّآه استغنى }
[7 العلق]
{ فكذب وعصى * ثمّ أدبر يسعى * فحشر فنادى * فقال أنا ربّكم الأعلى }
[24 النازعات]

ولكنه لم يُترك سدى وإنما زرعت فيه بذرة الحنين إلى جنة المحبة الخالصة.فهو في غرار نفسه يعلم ويشعر ويحس فينفعل ويتفاعل بظلام ونيران فعل السوء. وهذا ما سُمي بالضمير.
وعن هذه البذرة التي غُرست فيه قال ربّ العزة والكمال:

{ ونفسٍ وما سوّاها * فألهمها فجورها وتقواها *
قد أفلح من زكّاها * وقد خاب من دسّاها }
[10 الشمس]
وعن هذه التسوية ورد قول الحكيم العليم:

{ وإذ قال ربّك للملائكة إنّي خالق بشراً مّن صلصالٍ من حمأٍ مّسنون *
فإذا سوّيته ونفخت فيه من رّوحي فقعوا له ساجدين }
[29 الحجر]

وعن مجريات وتطبيق معاملات التسوية قال تعالى:

{ إن سعيكم لشتّى *
فأمّا من أعطى واتّقى * وصدّق بالحسنى * فسنيسره لليسرى *
وأما من بخل واستغنى * وكذّب بالحسنى * فسنيسره للعسرى *
وما يُغني عنه ماله إذا تردّى *
إنّ علينا للهدى *
وإن لنا للآخرة والأولى }
[13 الليل]

وللمزيد من إجلاء لأمر التسيير المطلق للإنسان في سيره على طريق الرجعى إلى بحبوحة أنس المحب الأعظم نحاول كشف مجريات أمره في تقلبه على أرض خلافته.
إن من يملك خيارات حياته يملك القدرة على تنفيذها:

* هل يعرف متى وأين سيولد أو يعرف متى وأين سيموت؟
* هل يعرف ماذا سيكسب في يوم غده؟
* هل يقدر أن يسمع بأذنه الصوت بالموجات الأعلى والأدنى ذبذبة من الصوت بالذبذبة المتوسطة التي تسمع بها الأذن العامة الطبيعية؟
* هل يقدر أن يرى بعينه أبعد مما تسمح به مقدرة العين العامة الطبيعية على الرؤية.
* هل يقدر ألا يأكل ويشرب وألا ينام حتى نهاية عمره؟
*وهل يقدر أن يستغني عن الشمس؟
* هل يقدر أن يوقف الأرض أن تدور؟ وهل يقدر أن يجعلها تعكس حركة دورانها؟
* هو يقدر بالاستعانة بما توفر له من علم أن يطأ أرض القمر . فهل يقدر بكل ما أُوتي من علم ومقدرة أن يطأ أرض الشمس؟
* هو يقدر أن يرسل المركبات الفضائية إلى أبعد الكواكب عن الأرض. فهل يقدر بكل ما أُتي من علم ومقدرة أن يصل إلى نهاية الكون؟
* هل يستطيع أن يمشي فوق الماء بأرجله الطبيعية؟
* هل يستطيع أن يطير في الأجواء بجسده الطبيعي؟
* هو يقدر على إحصاء عدد البشر الأحياء فوق سطح البسيطة، وقد يقدر على إحصاء عدد الحيوان والطير المنتشر في أصقاع الأرض. فهل يقدر أن يحصي عدد النمل والحشرات الزاحفة والطائرة ؟ وهل يقدر أن يحصي عدد الأحياء ذوات الخلية الواحدة؟
* هل يقدر أن يمسك الريح أن تهب أو يقدر أن ينزل الماء من السماء مطراً؟
* هل يقدر أن يجعل النار غير حارقة؟
هذه بعض أمثلة لمجريات ومعاملات التسيير المطلق الذي يكتنف خليفة {الله} الإنسان على أرض خلافته فهل يمكن بعد كل هذا أن يكون له من الأمر شيء؟!!



{6}
سادساً أن البقاء {لله} وحده جلّ جلاله
الرحمن الرحيم ذو الجلال والإكرام رب العالمين مالك يوم الدين

{ كلُّ من عليها فان *
ويبقى وجه ربّك ذو الجلال والإكرام }
[27 الرحمن]
فكل ما عدا وجه {الله} إلى فناء . فالكل راجع ، سائر وصائر لينتهي لمنتهى :

{ وأنّ إلى ربّك المنتهى }
[42 النجم]

ومن هنا وبناء على هذا التقرير الحكيم نطلع على فهم يفرض علينا أن ندرك معنى كان مستترا أو ربّما كان مؤجّلاً إدراكه لبعض حقائق أسرار الألوهية . ومنها مثلا معنى كلمة { الخلود } وكلمة { الأبد }

الخلود والأبد
كلمة الخلود تعني البقاء . فالخالد الذي لا ينتهي إلى فناء هو {الله} تبارك وتعالى.
أما كلمة الأبد فتعني الدهر. والدهر زمن مخلوق . ووجوده مرتبط بالمكان والمكان مخلوق . وكل مخلوق إلى فناء . والفناء مآله إلي الحي الباقي :
{ كلّ من عليها فان * ويبقى وجه ربّك ذو الجلال والإكرام}
[27 الرحمن ]
الجنّة مكان . والنار كذلك مكان . وكلا المكانين يدخلان في معنى { كلّ من عليها } . وعليه فإن النّار فانية . كذلك الجنة مآلها الفناء . أهل النار سائرون فيها يتقلبون في سعيرها حتى يأذن لهم الرحمن فيدخلون الجنة . وبعد أن يخرج آخر أهل النار منها ، لا تجد النار ما تأكله فتأكل بعضها حتى تفنى . وعليه فإن عبارة : { خالدين فيها أبدا } لا تعني: إلى ما لا نهاية. وإنما تعني أنهم باقون فيها دهرا . غير أنه طال أم قصر هو إلى فناء .
وما منّا إلا وارد النار:

{ وإن مّنكم إلا واردها كان على ربّك حتما مّقضيّا }
[71 مريم]

والبقاء في النار مرهون بكثافة الحجاب . فمنا من يمر عليها كالبرق الخاطف . ومنا من تشدّه أثقاله فيقع فيها . ويلبث فيها ريثما يضع أوزاره ويتخلص مما شابه فيرفع عنه غطاءه ويدخل الجنة .
وأهل الجنّة كذلك سائرون فيها . يترقون علي سلم درجاتها يطلبون وجه {الله} . وهم كذلك حتى تفنى الجنة ويبقى وجه ربّك ذو الجلال والإكرام .
هنا تلوح لنا لطيفة من لطائف اللطيف الخبير . السؤال :
ما هو وجه {الله} ؟ تبارك وتعالى علواً كبيرا !؟.

وجه {الله}
ما هو؟
وللإجابة على هذا السؤال نفتح صفحة خريطة سير الخير وسير الشر بكتاب اليومية المرقوم العام.هذا الكتاب يجري التسجيل عليه وفق معادلات حسابية محكمة حكيمة بيانها كما يلي:-

{ 1 }
{ مّن عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها
وما ربّك بظلاّم للعبيد }
[46 فصّلت]

{ 2 }
{ فمن يعمل مثقال ذرّة خيراً يره * ومن يعمل مثقال ذرّة شرّاً يره }
[8 الزّلزلة]

{ 3 }
{ من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها
ومن جاء بالسيئة فلا يُجزى إلاّ مثلها
وهم لا يُظلمون }
[160 الأنعام]


{ 4 }
{ وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل
إن الحسنات يذهبن السّيّئات
ذلك ذكرى للذاكرين }
[114 هود]

{ 5 }
{ مّثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله
كمثل حبة أنبتت سبع سنابل
في كل سنبلة مائة حبة
والله يضاعف لمن يشاء
والله واسع عليم }
]261 البقرة]

{ 6 }
{ فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتاً حسناً وكفّلها زكريا
كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاً
قال يا مريم أنى لك هذا
قالت هو من عند الله
إن الله يرزق من يشاء بغير حساب }
[37 آل عمران]
ولعله واضحاً أن هذه المعادلات لها:
بسط + { إيجابي }
ولها مقام - { سالب }
{ هذا بلغة الحساب الصرفة }

قانون التطبيق في البسط الإيجابي هو
أن القيمة الواحدة من الخير تساوي عشرة أمثال.
وقد تساوي سبعمائة.
وقد تساوي قدراً بغير حساب.


أما قانون التطبيق في المقام السالب فإن

القيمة الواحدة من الشر تساوي واحدة مثلها فقط.

هذا هو قانون العدل الإلهي الذي يقوم على المحبة المطلقة. و هو الذي قام به وعليه الأمر من الواحد الأحد الصمد الحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم.
النتيجة الحتمية عند حل جميع المعادلات المقضية والمقدرة وفق هذا القانون وفي جميع الأحوال تكون نتيجة بقيمة إيجابية من الخير. وهذا من معانى الآية الكريمة:

{ كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام }
[27 الرحمن ]

وهنا يمكن مقاربة الوصول لجواب السؤال السابق. فوجه {الله} تبارك وتعالى هو هذا الخير المطلق الذي لا يفنى.

{7}
سابعا : أن {الله} سبحانه وتعالى
قضت حكمته وقدر أن يتنزّل بلسان عربي مبين

{ إنّا أنزلناه قرآناً عربيّاً
لعلكم تعقلون }
[2 يوسف ]

وقال العزيز الحكيـم :
{ حم * والكتاب المبين *
إنّا جعلناه قرآنا عربيّا لعلكم تعقلون *
وإنّه في أمّ الكتاب لدينا لعليّ حكيم }
[4 الزخرف]

لغة القرآن لم تُجعل عربيّة عبثاً أو خبط عشواء تعالى {الله} عن ذلك علواً كبيرا . وطالما أن محمد بن عبد {الله} صلى {الله} عليه وسلم جُعل خاتم الأنبياء ؛ وأن كل الذي أراد {الله} تبارك وتعالى أن يُجليه قولاً قد شُمل بين دفتي المصحف الشريف باللغة العربية الفصحى , فذلك يعني بالضرورة أن البشرية مطلوب منها أن توحّد لسانها وهي على طريق الرجعى إلى الخالق الواحد الأحد :

{ الله لا إله إلاّ هو الحيّ القيّوم لا تأخذه سنة ولا نوم
لّه ما في السّماوات وما في الأرض
من ذا الّذي يشفع عنده إلّا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم
ولا يحيطون بشيء مّن علمه إلّا بما شاء
وسع كرسيّه السّماوات والأرض ولا يئوده حفظهما وهو العلىّ العظيم }
[255 البقرة]
قال تبارك وتعالى :
{ شهد الله أنّه لا إله إلاّ هو
والملائكة وأولوا العلم
قائماً بالقسط لا إله إلاّ هو العزيز الحكيم *
إن الدين عند الله الإسلام
وما اختلف الذين أُوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم من العلم بغيا بينهم
ومن يكفر بآيات الله فإنّ الله سريع الحساب }
[19 آل عمران ]

وقال السلام المؤمن المهيمن تباركت أسماؤه :
{ ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يُقبل منه
وهو في الآخرة لمن الخاسرين }
[85 آل عمران ]
والإسلام هو دين التوحيد الكامل الشامل . ولقد جانب الصواب دعاة الإسلام حين اتجهوا إلى ترجمة القرآن إلى لغات أُخرى ظناً منهم أن في ذلك الهدى للبشرية .
غير أن الحق :
{ إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون }
[2 يوسف ]
وقال سبحانه وتعالى :
{ وكذلك أنزلناه حكماً عربيّاً }
[37 الرعد ]

إنّ البيان والتبيين لا يتأتيان إلا بلسان عربي . ولقد كان الأجدر إرسال البعثات لتعليم الناس لغة القرآن .
ذلك لأن لغـــة القران تقوم على سبعٍ من المثانى.
قال {الله} العالم الأعظم :
{ ولقد آتيناك سبعا مّن المثاني
والقرآن العظيم }
[87الحجر]

فالكلمة الواحدة ؛ بل الحرف الواحد في لغة القرآن, ينطوي على سبع درجات من المعنى في مقابلة النفوس السبع التي أُقيم عليها كيان الإنسان المنفوخة فيه روح {الله}.
فكل حرف وكل كلمة وكل معنى له بسط إيجابي ومقام سالب ؛ وهذا معنى ( مثاني).



قال تعالى:
{ وإذ قال ربّك للملائكة
إنّي خالق بشراً مّن صلصال مّن حمإٍ مّسنون *
فإذا سوّيته ونفخت فيه من رّوحي
فقعوا له ساجدين }
[29 الحجر]
هذه النفوس السبع هي :
1- النفس الأمارة
{ بالسوء }
2- النفس اللوامة 3- النفس الملهمة
4- النفس المطمئنة
5- النفس الراضية 6- النفس المرضية
7- النفس الكاملة
{ الأمارة بالخير }
ولن يتأتى لأي لغة بخلاف اللغة العربية أن تستطيع الإبحار في بحور معاني القران السبع كما يمكن للغة القرآن أن تفعل.
هذا ، وقولاً واحد : لن يتأتى لأي مترجم ، مهما بلغ من العلم بأسرار اللغة وأسرار المعاني وأسرار المعرفة بدين {الله} أن يترجم القران إلى أي لغة أخرى . فاتقوا {الله} واحذروه يا دعاة العلم والمعرفة .
وتذكروا قول الكريم المتعال :
{ إنما يخشى الله من عباده العلماء
إنّ الله عزيز غفور }
[28 فاطر]

وتذكروا قول بعض العلماء الذين قالوا [ و{الله} أنه كلما زاد علمنا ازددنا جهلاً ] ذلك لأن نهاية العلم إنما هي عند {الله} العزيز المتعال بديع السماوات والأرض . وذلك لأن بداية الحرف في لغة القرآن ؛ بل أن بداية النقطة التي سالت فشكلت الحرف : هي من عند {الله}. وهذه النقطة التي سالت فشكلت الحرف قبل أن تُجعل نقطة كانت معنى مكنون في علم {الله} .


وحتى أن هذه اللغة المكرّمة بنزول القرآن بلسانها
عجزت مواعينها
أن تستوعب كل مكنون علم {الله}.

لقد أفصحت عن الذي بمقدور لسان العقل الإنساني أن يدركه . وما لم يكن بالمقدور إدراكه أُشير إليه ببعض الحروف النورانية في مستهل بعض سور القران العظيم : فجعلت :

{ أ ل م } { أ ل م ص } { أ ل ر } { أ ل م ر }
{ ك هـ ي ع ص } { ط هـ } { ط س م } { ط س }
{ ي س } { ص } { ح م } {ع س ق}{ ق } { ن }

ولعلها إشارات إلى ما في { أمّ الكتاب } من علم وحكمة تخطّت مقدرة العقل على إدراكها . وعددها أربعة عشر حرفاً : كلها حروف نورانية ؛ غير أن سبعاً منها أكثر نوراً ؛ وكأنها منازل القمر سبعاً فسبع يكتمل في قمتها بدراً مكتمل الضياء :

{ وتلك الأمثال نضربها للنّاس
لعلّهم يتفكّرون }
[21الحشر]

بداية التصحيح

بداية التصحيح أن يتعلم الناس اللغة العربية . كل الناس كل البشر علي وجه الأرض المعمورة. عليهم أن يباشروا وعلى الفور تعلم اللغة العربية حتى يتمكنوا من مراجعة الفهم للوسائل الموضوعة في هذا الدستور الذي لا تشوبه أيّ شائبة من النقص أو التقصير لأنه قول الحكيم البصير . وليس قولنا هذا منطلقاً من المحاباة أو العنصرية للعرب .
فالعرب لم يتطوروا ويرتقوا إلا عندما أسلموا . فهم لم تقم لهم قائمة إلا بالإسلام وقد قال رسول الإسلام عليه الصلاة والسلام :
( لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى )

فاعتبروا يا أيها المؤمنون وخذوا مكانكم لقيادة ركب البشرية على طريق الرجعى إلى {الله} باعتباركم مسلمون وليس عرباً أو عجماً . ولو أن بعض إخوتنا ممن اضطهدوا في الأرض كانوا ينادون :
يا{ الله }
وليس [ يا عرب ] لكان الحال وبكل تأكيد غير الحال.
ثمّ بعد ذلك أن ينشدوا التصوّر الصحيح للغايات المراد للناس تحقيقها في سبيل الحصول على الحياة الكريمة.
وبداية المراجعة هي وجوب أن تكون وقفة صاعقة تهز أركان المفاهيم السائدة الآن عن ماهية الوسائل وعن معالم الغايات المرجوة .
كما يجب أن تكون منطلقات هذه المراجعة أن نستيقن بأن غاية الغايات هو {الله} ثمّ الإنسان المستقيم السعيد المتخلق بأخلاق {الله} .
مطلق إنسان من ذكر وأنثى على حد سواء.


قال {الله} تبارك وتعالى :
{ يا أيّها الناس
إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل
لتعارفوا
إن أكرمكم عند الله اتقاكم
إنّ الله عليم خبير }
[13 الحجرات]

قال {يا أيّها الناس} ولم يقل المؤمنون أو المسلمون أو العرب . فالخطاب للناس كل الناس أسودهم وأبيضهم , صالحهم والطالح منهم . والمطلوب التقوى . أشار النبيّ الكريم محمد بن عبد {الله} عليه أفضل الصّلاة وأتم التسليم إلى صدره وقال :

( التقوى ها هنا التقوى ها هنا التقوى ها هنا )

وثمرة التقوى حسن الخلق وحسن الخلق هو خلق {الله} الأعظم .

قال {الله} تبارك وتعالى :

{ ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوّة
ثمّ يقول للناس كونوا عباداً لي من دون الله
ولكن كونوا ربّانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون }
[79 آل عمران]
وقال النبيّ الكريم عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التسليم :

( تخلقوا بأخلاق {الله} إنّ ربّي على صراط مستقيم )

وقال : ( الدين المعاملة )

وحسن المعاملة هو معاملة {الله} في خلقه .
خلقه كلهم وليس بعضهم .
ويجدر بنا في هذا المقام أن نوضح فرق المعاني لبعض الكلمات التي تتداول عند الخوض في مسائل النقاش والجدل :
أول هذه الكلمات : [ العلم ] ثمّ كلمـة : [ المعرفة ] ثمّ كلمة : [ الإدراك ] ثمّ كلمة: [ الفهم ]

كلمة العلم ؛ المعرّفة بالألف واللام :
تعني علم {الله} المطلق : العالم المريد القادر جلّ جلاله .
وهي تعني : القرآن العظيم :

{ ولئن اتّبعت أهواءهم بعد الّذي جاءك من العلم
ما لك مّن الله مّن وليّ ولا نصير }
[120 البقرة]

وهي جملة البناء الذي قمته مفتوحة على الإطلاق؛ بمعنى أن نهايته لا نهاية لها يمكن معرفتها أو فهمها أو إدراكها ؛ والمحتوي على الأسرار الإلهية المطلقة , في العقل الإلهي الكلّي .
ولقد أُنزل هذا العلم جُملة وتفصيلاً في قوالب اللغة العربية ؛ فوسعت منه قدر استطاعتها , وما لم يمكنها استيعابه أُدغم وأُشير إليه بالحروف .
وما من عالم أو مفسّر للقران سُئل عنها إلا وقال : {الله} أعلم بمراده . ولقد وُضعت الأحرف على رأس السور إشارة إلي بداية قدس الأقداس الذي تعجز الكلمات التعبير عنه . وكلمة العلم كلمة ذاتية لا نقيض لها ؛ فهي مفردة متفرّدة تأخذ وحدانيتها من الاسم الأعظم { الله } قال العليم الخبير :

{ أل ر
تلك آيات الكتاب المبين *
إنّا أنزلناه قرآناً عربيّا لّعلّكم تعقلون }
[2 يوسف]

ولقد قال تبارك وتعالى :
{ حم * والكتاب المبين *
إنّا جعلناه قرآناً عربياً لعلّكم تعقلون*
وإنّه في أمّ الكتاب لدينا
لعلٌّي حكيم }
[4 الزخرف ]
وقال جلّ شأنه :
{ هو الّذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هنّ أمّ الكتاب
وأخر متشابهاتٌ
فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه
ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله
وما يعلم تأويله إلا الله
والراسخون في العلم يقولون آمنا به كلٌ من عند ربنا
وما يذّكّر إلا أُولُوا الألباب }
[7آل عمران]

وليس من المكن الحديث عن أمّ الكتاب . ذلك سير في الوادي المقدس الذي يجب أن تُخلع فيه النعلان . قال {الله} الّذي لا إله إلاّ هو له الأسماء الحسنى :

{ وهل أتاك حديث موسى*
إذ رأى ناراً فقال لأهله امكثوا إنّي آنست نارا
لّعلّي آتيكم مّنها بقبس أو أجد على النّار هدى*
فلمّا أتاها نُودي يا موسى*
إنّي أنا ربّك
فاخلع نعليك إنّك بالوادي المقدس طوى }
[12 طه]
فيما وراء ظاهر معنى الكلمات : موسى إشارة تعني العقل . ولمواجهة أمّ الكتاب والدخول إلى قدس الأقداس والسير في الوادي المقدس : لابدّ من أن يخلع العقل نعليه . والنعلان إشارة إلى ثنائيّته . فإن تخلّى عن هذه الثنائية ما عاد عقلا وإنما صار قلباً .
والقلب بيت الرب. توحّد فكلّم الواحد تبارك وتعالى الّذي قال له :

{ إنني أنا الله لا إله إلاّ أنا فاعبدني وأقم الصّلاة لذكري }
[14 طه]

كلمة المعرفة تعبر عن مضمون الأبعاد السبعة للمعاني . والمعرفة نقيضها الإنكار . فالمعرفة هي إجلاء خبايا المعاني المتعددة فيما وراء المعنى الظاهر. قال تبارك وتعالى :

{ وجاء إخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون }
[58 يوسف]

أما كلمة الفهم فتعني إجلاء المعني الباطن القريب مما يلي المعنى الظاهـر . قال تعالى :

{ ففهمناها سليمان وكلاّ آتينا حكماً وعلما }
[79 الأنبياء ]

ونقيض كلمة الفهم هو الجهل . وبداية الفهم تكون بالإيمان . ومنتهى الجهل هو الكفر . والكافرون هم الجاهلون الذين لا يفهمون .
كلمة الإدراك هي رؤية المعنى الظاهر لتعبير اللغة . ونقيض الإدراك هو الغباء .
أول الفهم:
لعل أن أول ما يجب علينا فهمه فهماً صحيحاً وبناءاً على المبادئ الأساسية التي سبق ذكرها؛ هو مسألة النسخ التي وردت في القرآن العظيم .
قال {الله} سبحانه وتعالى العليم الحكيم الخبير القدير :

{ ما ننسخ من آية أو ننسها
نأت بخير منها أو مثلها
ألم تعلم أنّ الله على كلّ شيء قدير }
[106البقرة]

ولقد فُسر النسخ بأنه إلغاء للحكم . وبناء على ذلك استبعدت أحكام الآيات المنسوخة من مسوقات التشريع , وقامت القوانين الشرعية على ما هو حسن من الآيات واستبعد ما هو أحسن من الآيات. وهذا أمر كان مطلوباً فقد بُنيّ على الحكمة الحكيمة التي راعت حكم الوقت فيما سبق .فكان الأمر أنه:

{ لا يكلّف الله نفساً إلا وسعها}

قال النبيّ محمد عليه أفضل الصلاة وأتمّ التسليم :

( نحن معاشر الأنبياء أُمرنا أن نخاطب الناس على قدر عقولهم )

وإن نحن عرضنا ما سلف من فهم للنسخ بأنه [ إلغاء ] على ميزان أسرار الأُلوهية التي سبق وورد ذكرها لعرفنا أن النسخ إنما هو [ إرجاء ] وليس إلغاء .
تعالى {الله} عن تغير أحكامه علواً كبيرا .
آيـات {الله} كلها حسنة
ولكن بعضها أحسن من بعـض

قال تعالى :
{ واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم
من قبل أن يأتيكم العـذاب بغتة وأنتم لا تشعرون }
[55 الزمر]

وبناءاً على حكم الوقت وعدم استعداد قدر العقل على استيعاب الأحكام الواردة في أحسن ما أُنزل من آيات ، قام التطبيق على الحسن وتم إرجاء الأحسن حتى يحين حينه .
حين يكون العقل البشري مستعداً للإدراك وقادراً على الفهم والتطبيق للوسائل المحققة لفعاليات المستوى الأحسن من قانون سنة {الله} في خلقه . ونحن باعتقادنا وبما ظهر على العالمين من مؤشرات ارتقاء العقل البشري نرى أنه قد جاء هذا الحين الآن.
وعدم إتّباع الأحسن و الشروع في تطبيقه حسب حكم الوقت الحاضر يؤدي حتماً إلى شل تطور العقل البشري وهذا ما هـو حادث الآن من أمر المسلمين .
قال تعالى :
{ فإذا انسلخ الأشهُرُ الحُرُم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم
وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد
فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم
إن الله غفور رحيم }
[5 التوبة]
هذه من الحسن من الآيات . فهل نحن مأمورون في هذا اليوم الذي نحن فيه أن نطبّق هذه الآية الكريمة !؟ . أم انه واجب علينا أن نسعى لتطبيق الآية الأحسن , والتي كانت مما اعتبر منسوخا في سالف الوقـت ألا وهي قول {الله} تبارك وتعالى:

{ أدع إلي سبيل ربك
بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن
إنّ ربّك هو أعلم بمن ضلّ عن سبيله
وهو أعلم بالمهتدين }
[125 النحل]
الجهاد الأصغر:
الجهاد في سبيل {الله} من أسمى ما يُتقرب به إلى {الله} . ولقد أُمرنا أن نعد له ما استطعنا من قوة .
ولقد أعددنا وبتوفيق {الله} فيما سلف كل المتاح حينئذ من قوة الخيل والسيـف والرمح : فغلبنا أقوى الأمم ونشرنا الإسلام في بقاع الأرض .
تلك كانت القوة الفاعلة في ذلك الوقت . القوة الفاعلة التي نتج من استعمالها إحياء الناس حياة كريمة فهل لنا اليوم أن ننتصر بما هو متاح لنا من قوة السلاح !؟ وإن نحن استعملنا هذا السلاح الذي نملكه ونعرف كيف نستخدمه وعلى قمته السلاح النووي !!
فهل ستسفر المعركة عن منتصر ومنهزم !؟ أم أنه الإفناء للبشر !؟
لقد استُعمل السلاح فيما سلف لخير البشرية وإسعادها وإحيائها حياة طيبة آمنة . فهل يمكننا بسلاح يومنا هذا أن نوفر ذلك للبشر !؟.
هذا لعمري أمر لا تنكره العقول السليمة .
الأمر لإعداد القوة للجهاد في سبيل {الله} ما انفك قائماً . والقوة الفاعلة اليوم وبحكم الوقت الحاضر هي قوة العلم والمعرفة المسبوكة على نار المحبة الصادقة :

{ إنّي آنست نارا
لعلي آتيكم منها بقبس
أو أجد على النار هدى }

هي قوة حجة البيان والمنطق السليم . هي قوة النموذج الطيب وحسن الخلق ، فالدين المعاملة والدين حسن الخلق .
وما نشاهده اليوم من أدعياء الدعوة للدين الذين شهروا السلاح في وجه الإنسانية فقتلوها وأرهبوها وزعزعوا أمنها واستقرارها ثم لم يفلحوا ألاّ تكون فتنة ، وأن يكون الدين {لله}، إنّما نشاهد ونشهد أن {الله} سبحانه وتعالى يضرب لنا الأمثال لبطلان اتخاذ قوة السيف والمدفع للجهاد ووجوب الدعوة إلى سبيل {الله} بالحكمة والموعظة الحسنة .
قال تعالى :
{ أدعو إلي سبيل ربك
بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن
إن ربك هو أعلم بمن ضلّ عن سبيله
وهو أعلم بالمهتدين }
[125 النحل]

{الله} سبحانه وتعالى هو الهادي وهو الّذي يُضلل وليس لأحد من الأمر شيء . قال يخاطب نبيّه الكريم بعد ما أمره ليقاتل الناس حتّى يشهدوا {لاّ إله إلاّ الله} وأن محمدا رسول {الله} ويقيموا الصّلاة ويُؤتوا الزكاة ويصوموا رمضان ويحجوا لمن استطاع إلى ذلك سبيلا ؛ قال له :


{ ليس عليك هداهم
ولكنّ الله يهدي من يشاء }
[272 البقرة]

وقال جلّ وعلا :
{ ذلك هدى الله يهدي به من يشاء
ومن يُضلل الله فما له من هاد }
[36 الزمر]

{ ومن يُضلل الله فلا هادي له }
[186 الأعراف]

ولقد كان الرسول الكريم صلى {الله} عليه وسلم يقول عقب الرجوع من الغزو :
( رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر . ألا وهو جهاد النفس )

وقد قال عليه أفضل الصلاة وأتم السلام:

(إن أعدى أعدائك نفسك التي بين جنبيك)

القوة الفاعلة اليوم هي قوة العلم والفكر والخلق الحسن .
قال عليه الصلاة والسلام :
(تخلقوا بأخلاق {الله} إن ربي على صراط مستقيم )
أفلم يطالع هؤلاء المجاهدون بالقنابل والمتفجرات :
آيات {الله} المبينات أم أنهم لم يسمعوا بأقوال النبي الرسول الذي أُرسل رحمة للعالمين !؟
لقد قتلوا النساء والأطفال الأبرياء باسم الدين والدعوة إلى سبيل {الله}.
أم أنهم لم يطّلعوا على قول الرحمن الرحيم العزيز الجبّار القادر المقتدر :

{ من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل
أنّه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض
فكأنّما قتل النّاس جميعا
ومن أحياها فكأنّما أحيا النّاس جميعا
ولقد جاءتهم رسلنا بالبيّنات
ثمّ إنّ كثيرا مّنهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون }
[32 المائدة].

يتبع ( شريعة المال )
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوسف هاشم محمد نجم
عضو جديد



ذكر
عدد الرسائل : 8
العمر : 77
تاريخ التسجيل : 20/09/2011

دستور الإنسان المعاصر Empty
مُساهمةموضوع: تابع /دستور الإنسان المعاصر (شريعة المال )   دستور الإنسان المعاصر I_icon_minitimeالثلاثاء سبتمبر 20, 2011 2:24 pm

شريعة المال :

وماذا عن شريعة المال ؟ قام تشريع المال على الزكاة بأوقاتها ومقاديرها المعروفة . وكان فيها وبها الحل المناسب حسب حكم ذلك العصر . وهي ركن من أركان الإسلام .
قال {الله} تبارك وتعالى :

{ خذ مّن أموالهم صدقة تطهّرهم وتزكّيهم بها
وصلّي عليهم إنّ صلاتك سكن لهم
والله سميع عليم }
[103 التوبة]

وفي الزكاة سيكون الحل المناسب لمشاكل الإنسانية اليوم . ولكن شريطة تطبيق الآية الأحسن.
قال {الله} سبحانه وتعالى :
{ ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو
كذلك يُبيّن الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون }
[219 البقرة]

ولقد بيّنها النبيّ الكريم قولا وفعلاً . قال عليه الصلاة والسلام :

( كان الأشعريون إذا أملقوا وهم في سفر
جمعوا ما عندهم من زاد و اقتسموه بالسوية
أولئك قوم أنا منهم وهم مني )

ولم يكن عليه الصلاة والسلام ليبيّت عنده زاد يوم لغده. ولعله معروفاً أن العفو يعني ما زاد عن الحاجة الحاضرة . ولذلك فإن تطبيق الزكاة اليوم الحاضر يجب أن يكون بالمشاركة في الأرزاق . وذلك إتّباعا وانصياعا لأمر {الله} بأن نتّبع أحسن ما أُنزل إلينا من ربّنا .
وكذلك لسنة نبيّ {الله} الّذي أرسل رحمة لنا .
قال عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التسليم :

(خالق غدٍ يأت برزق غدٍ كل غدٍ)

وقال عليه صلوات {الله} وأزكى السلام :

( من كان عنده فضل زادٍ فليجُد به على من لا زاد له
ومن كان عنده فضل ظهر فليجُد به على من لا ظهر له )

قال الصحابيّ الجليل راوي الحديث رضي {الله} عنه وأرضاه : فذهب رسول {الله} صلّى {الله} عليه وسلم يعدد في الفضل حتى ظننا أنه ليس لأحد منا حق في فضل .
ولقد كان ذلك ظنّ ووهم العقل البشري العام في ذلك الوقت ، ولذلك قام تشريع الإنفاق على الحسن من الآيات مجاريا ذلك الظنّ وذلك الوهم كحدٍ أدنى لا نزول عنه فقال :

{ خذ من أموالهم }

وحتى هذه لم يقبلها بعضهم فقالوا : إننا و{الله} نصلّي ونصوم ولكننا لا تؤتي أموالنا . ولقد اقتضت حكمة الحكيم المتعال أن تخرج الناس من ذلك الظنّ وذلك الوهم بالتدريج .
ولعل التدرّج في التشريع معروف ومعلوم ومثال لذلك ما حدث في تحريم الخمر ، وبسبيل هذا التدريج في مسألة المال بعد أن أثبت التشريع للناس أن المال مالهم فقال : { خُذ من أموالهم }
مجاراة لظنهم ووهمهم ، قال في سبيل التدريج :

{ وآتوهم من مال الله الّذي آتاكم }
[33 النور]

وفي ذلك تذكير لمن ظنّ أن المال هو ماله بأنّ المال إنما هو مال {الله} وما أصحاب الأموال إلاّ مستخلفين عليها .
قال تعالى :
{ آمنوا بالله ورسوله
وأنفقوا ممّا جعلكم مّستخلفين فيه
فالّذين آمنوا منكم وأنفقوا
لهم أجر كبير }
[7 الحديد]

وتطبيقا لهذا المعنى قال رسول {الله} صلى {الله} عليه وسلم :

( في المال حق غير الزّكاة )

ولعلّ الهدف من هذا التدرّج في مسألة المال هو سوق العقل إلى القبول في وقت لاحق لم يكن قد حل بعد ، لتشريع يقوم على :
{ أحسن ما أنزل إليكم مّن ربّكم }
وآية ذلك :
{ ويسألونك ماذا يُنفقون
قل العفو
كذلك يُبيّن الله لكم الآيات لعلّكم تتفكّرون }
[219البقرة]

أو لم يقل النبيّ الكريم عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التسليم :

( الناس أشراك في ثلاث : الهواء والماء والكلأ )

وهل عناصر ومقوّمات الإنتاج غير ذلك!
ولعل أن مما يجب إعمال الفكر فيه بغية فهمه فهما يلائم قدر العقل البشري المعاصر هو هذا الربط بين آيات من القرآن العظيم وأسباب ومناسبات نزولها. والسلف الصالح من العلماء والفقهاء؛ جزاهم {الله} خيرا؛ قد اجتهدوا فيما هو متوفر لهم من فهم علي لسان عصرهم , فربطوا بين الآيات الكريمات وأسباب نزولها سعياً بصدق وإخلاص نية لتقصّي الفهم لماهية الوسائل ومعالم الغايات المراد لهم السّعي لتحقيقها .
غير أن ما يجب أن نعلمه اليوم هو أن كل المناسبات والأسباب التي رُبطت بالآيات إنما هي متعلقة بالآيات وليس أن الآيات مرهونة بتلك المناسبات والأسباب .
ذلك لأن آيات {الله} العظيم : قول {الله} تبارك وتعالى هي علمه وإرادته وقدرته منذ مبتدأ ظهوره لخلقه ليعرفوه وإلى أن تتم الرجعى إليه جلّ شأنه .
ونحن اليوم ، لا بأس من أن نعرف أن تلك كانت من أسباب النزول ، ولكن يجب ألا نقف عندها, بل الواجب أن نتجاوزها وأن نبدأ في محاولة تقصّي واستكشاف الحكمة المكنونة في الآيات والتي تناسب يومنا هذا بقدر عقلنا الحاضر .
نحاول أن نكتشف ماذا فيها لنا وليومنا هذا من أحكام تنظم حياة معاشنا وخطى سيرنا إلى المعاد.
قال {الله} تبارك وتعالى :
{ بالبيّنات والزبر
وأنزلنا إليك الذكر لتبيّن للناس ما نٌزّل إليهم
ولعلهم يتفكرون }
[44 النحل]

ولقد بيّن محمد بن عبد {الله} الرسول الأمين عليه أفضل الصلاة وأتمّ التسليم للناس ماهية الوسائل التي تخدم سيرهم وفق لسان عصرهم وبقدر ما يمكن استيعابه بما هو متوفر من علم ومعرفة لديهم، فقال عليه الصلاة والسلام :

( نحن معاشر الأنبياء أمرنا أن نخاطب الناس علي قدر عقولهم )

وبما أن قدر العقل إنما هو بقدر معطيات الحواس متفاعلة في أديم من بواعث الفؤاد , فإن مركبات الفهم والإدراك , في ذلك الوقت , قبل ما يربو على أربعة عشر قرناً من الزمان , كانت صورة تترجم ما حولها من واقع الحياة حينئذ.
وعليه فإن قدر العقل اليوم وبعد هذا التطور المتصاعد عبر زمـان ليس بالقصير , قولاً واحد ؛ يختلف اختلافا كبيراً بل يكاد أن يكون اختلافاً جذرياً .
غير أن أديم بواعث الفؤاد , وهو ما يمكن أن نسميه بالنفس ؛ يظل وكأنه هو على ما كان عليه . النفس تترقى ولكن ليس بالقدر والسرعة التي يتطور بها العقل .

كيف وجد أهل الكهف من حولهم
بعد قرابة الثلاثة قرون التي قضوها في سبات عميق؟
وعندما يكون المجال محدودا أمام معطيات الحواس , فان المقدرة علي التفكير تكون مرتبطة بمحدودية تلك المعطيات . والعقل حينئذ قد يستأسد وقد يدّعي القدرة المهيمنة وهذا ما كان عليه حال عقل عامة الناس ، مما استدعى أن يُوحي إلى خواص منهم ويُرسلوا لكسر حلقات التفكير التي أغلقتها عادات وتقاليد استُمرئت وعُكف عليها حيناً من الدهر.
ولقد تطلّب ممن أُرسلوا ( عليهم صلوات {الله} وسلامه ) لكسر تلك الحلقات المغلقة أن يستعملوا العصا لإيقاظ القلوب الصدئ .
وقد كان لا بد من ذلك تجاه من قالوا :

{ وقالوا قلوبنا في أكنّة مما تدعونا إليه
وفي آذاننا وقر }
[5 فُصّلت]

{ وقالوا قُلُوبنا غُلفُ
بل لعنهم الله بكفرهم فقليلاً مّا يؤمنون }
[88 البقرة]

أما اليوم ؛ وقد اتسعت آفاق التفكير وأصبحت معطيات الحواس تكـاد تكون بلا حدود , فإن العقل , وبطبيعة الحال , لا يملك إلا أن يقول: لا حول ولا قوة إلا {بالله} . لأنه في السابق كان يرى ما حوله ؛ بإمكانياته المحدودة , فيرى الأرض سطحا منبسطا , والشمس والقمر جرمان كرويان منيران يضيء احدهم ليله والآخر يشرق عليهم من مشارقه فيجعل الأرض نهـاراً , ثم لا يلبث حتى يغيب إلى مغاربه.
الشمس كانت في موسوعة معارفه ما هي إلا كرة تدور حوله . والقمر كرة منيرة تطالعه هلالاً فبدرا ثم لا تلبث أن تأفل .
كيف بالعقل اليوم ؛ وقد أدرك تناهي صغر ما هو عليها من أرض كروية تدور حول شمس كأنها لا تكاد تبرح موقعها , وقمرا ً جرماً صغيراً يدور حول الأرض ولا ينير إلا بعكسه لضوء الشمس. وأن الشمس ومجموعتها التي لم يكن يعرفها , من بنات مجرّة هائلة يتضاءل موقعها ضمن عدد لا يعلم بكمّه إلا {الله} من مجرّات تسبح في فضاء الكون الذي لا نهاية له.
عقل اليوم هذا لن تجدي معه العصـا نفعاً . هذا الذي خرق الأرض وناطـح الجبال طولا, واخترق السماء ؛ بنى له فيها محطات فضائية أقام فيها , ومن عليها نظر إلى الأرض فاستصغرها . لا بد لهذا العقل من سبيل غير السبيل الذي كان . وهذا موجود فيما ندعو إليه من دستور .
قال {الله} تبارك وتعالى :

{ أدعو إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنــة وجادلهم بالتي هي أحسن
إن ربك هو أعلم بمن ضلّ عن سبيـله وهو أعلم بالمهتدين }
[125 النحل]
وقال سبحانه جلّ شأنه :
{ لا إكراه في الدين
قد تبين الرشد من الغيّ
فمن يكفر بالطّاغوت ويؤمن بالله
فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها
والله سميع عليم }
[256 البقرة] .
وإن أمعنا النظر في واقع الإنسان المعاصر نجد الصورة على نحو مما يلي :-
علاقة الإنسان بالكون :-
الإنسان في غابر الزمن , وبحكم وقته , كان شديد الرهبة من هذا الكون الذي يحيط به . وهو على أي حال , كان يحاول باستمرار أن يسترضي كل تلك القوى المحيطة به والتي تخيفه وتفزعه , فعكف يتخذ كل الحيل حتى يكون بمأمن منها . عكف يعبد كل الظواهر الكونية ويتقرّب إليها بما يقرّبه من قرابين ليطمئن ويهدأ روعه , فعبد الشمس والقمر والنار والمطر والرياح كما عبد الحيوان.
وتطور العلم و اطرد نمو العقل , أو لعلنا نقول أن الذي برز إلى حيّز المعرفة على أديم صفحة العقل البشري من علوم تطبيقية بلغت بالإنسان المعاصر أن يتخطى حدود الغلاف الجوي للأرض فأرسل آلياته إلى الفضاء الخارجي يقودها ويتحكم فيها وهو جالس على موقعه من الأرض ؛ وآليات أخرى أرسلها بقيادة أطقم من أفراده , بعضها محطات فضائية ثابتة على مدار أقام فيها رواد , وأخرى سفن فضائية ذهب بها إلى الفضاء ثم عاد مرة أخرى في سلام وكأنه يسافر من مدينة إلى أخري على الأرض. وبهذا أصبح هذا العلم مبذولا ومتاحا للجميع.
طفل اليوم الذي لمّا يتعدّ السـابعة من عمره بعد , أصبحت عنده علوم أعلم علماء السلف مسائل يعرفها بداهة. وبينما كان طفل السلف لا يجد ما يلعب به غير ما هو متوفر في بيئته من مواد طبيعية ؛ غصن وحبل وطين وحجر، نجد أن طفل اليوم يستمتع بألعاب الكمبيوتر ويشاهد على القنوات الفضائية برامج خاصة للأطفال منها أفلام تعتمد على الخيال العلمي مما ينمّي قدر عقلهم ويعده لاستقبال علوم مستقبلية لم تطبق حالياً .
الإنسان المعاصر استطاع بما هو مبذول له من وسائل تقنية أن يحسب كم عمر الأرض الزمني ومسافات أبعادها ؛ محيطها وقطرها وطبقات تكوينها . ومن بعد كل هذا اكتشف كم هو جاهل بإزاء هذا العلم الكوني اللانهائي.



علاقة الإنسان بالإنسان :-
الصورة المعاصرة للعلاقات الإنسانية يشوبها كثير من التسلط والقهر والظلم. أنظمة الحكم على إطلاقها لا توفر للإنسـان الحد الأدنى من حق الحياة وحق الحرية. فلا أحرار اليوم في أي مكان على وجه الأرض . وإن ادعت بعض الأنظمة أنها ديمقراطية توفر للناس حق الحرية , نجد أنها سلبتهم حق الحياة الكريمة . وذلك لأنها تقوم على ما يسمى بنظام الاقتصاد الرأسمالي الذي مكن قلة من الناس من احتكار الأموال ومن ثمّ هم يعيشون في ترف وبذخ ؛ ذلك بينما تعيش الأغلبية الساحقة وعلى مرأى ومسمع منهم , في أوضاع مزرية غير إنسانية ؛ جهل قاتل ومرض مميت وجوع كافر . وإن ادّعت أخري بأنها اشتـراكية وفرت للناس حق الحياة , سلبتهم حق الحرية .
والأفراد أصبح بعضهم لبعض عدو . قامت علاقاتهم ببعض على مصالح مادية . فالذي يساعد أخـاه , يعتبر ذلك جميلة عليه أن يردها . وأفراد أخر ؛ يتعاملون بالمقابل المادي ؛ تماما كالتعامل مع مكنات البيع . إن لم تضع فئة العملة المقررة , لا تخرج لك السلعة التي تود شرائها .
وجماعات نصّبو أنفسهم أوصياء على عقول البشر .
صدق {الله} العظيم وقوله الحق :

{ فتقطّعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون }
[53 المؤمنون]

كل جماعة تعتقد وتصّـر على أن ما تعتقده هو الحق المبين .
وكل جماعة تدعوا لمعتقدها بالترغيب حيناً وبالترهيب أحياناً كثيرة .
وقد تمخض عن ذلك , في يومنا هذا , أفظع آفات العصر: الإرهاب.

[ الإرهاب ]

ولقد برز شبح الإرهاب وتبلور واحتلّ حيّزا رهيباً في حياة البشر. ومقولة حق يجب أن تُقال : هي أن الإرهاب الّذي أصبح في وقتنا هذا اسما علماً مُعرّفاً بالألف واللام ؛ قد جاء نتيجة تعصّب جاهل لمعتقد ديني قام علي جهل مرير يُبرز من جديد ما قاله الجاهلون فيما سلف .
قال تعالى :

{ وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها
قل إنّ الله لا يأمر بالفحشاء
أتقولون على الله ما لا تعلمون }
[28 الأعراف]

{ بل قالوا إنّا وجدنا آباءنا على أمّة
وإنّا على آثارهم مّهتدون }
[22 الزخرف]

هنا يجب أن نقف نتأمل ونتدبّر قول العزيز المقتدر :

{ قل أو لو جئتكم بأهدى ممّا وجدتّم عليه آباءكم
قالوا إنّا بما أرسلتم به كافرون }
[24الزخرف]

إن الّذي هو أهدى ممّا عليه الإرهابيون اليوم هو قول {الله} تبارك وتعالى :

{ لا إكراه في الدين قد تبيّن الرشد من الغيّ }
[256البقرة]

ويحكم هذا القول الكريم ويجعله شريعة {الله} في التعامل بين الناس قوله سبحانه وتعالى :

{ واتّبعوا أحسن ما أُنزل إليكم مّن رّبّكم
من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون }
[55 الزمر]

وأيّ عذاب ننتظر بعد كلّ هذا الذلّ والهوان والتسلّط والاحتلال الذي عاث فينا تقتيلا وتخويفاً وتجويعاً وهتكا للأعراض!؟ ألا فاعتبروا يا أولو الألباب .
لقد جهل الإرهابيون السلفيون بتمسكهم بالحسن ممّا أُنزل من السماء والذي كان خطاب لعصر غير هذا العصر ولعقول غير عقل اليوم منصرفين عن الأحسن ممّا أُنزل من السماء .
والحسن ممّا أُنزل في العصر الّذي سلف كان هو الحكمة بعينها لأن ذلك العصر كان عصر التخلف والجهل والغلظة والعنف الّذي كان لابد من تقويمه بما يُفلّه من قوة الترهيب :

{ وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل
تُرهبون به عدو الله وعدوّكم
وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم
وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يُوفّ إليكم وأنتم لا تُظلمون }
[60 الأنفال]
هنا يجب أن نقف وأن نفهم بأنه كلما وردت عبارة { عدو {الله} } أو { أعداء {الله} } يجب أن نفهم بأن ذلك إنما يعني :

{ الجهلاء – أعداء العلم والمعرفة – الذين هم ليسوا على الصّراط المستقيم }

ذلك لأن {الله} تبارك وتعالى علواً كبيرا هو العزيز الجبّار خالق كلّ شيء ، المسيطر على كلّ شيء .
ومن ثمّ يجب ألاّ نفهم العبارة كما نراها على ظاهر النص . فأنت لا يمكن أن تقارن الفهم لعبارة { عدوّ {الله} } بما يمكن أن تفهمه من عبارة { أن زيدا عدوّ لعمرو } ولعلّكم تعقلون .
ليس {لله} عدو فهو تبارك وتعالى القاهر فوق عباده :

{ وإن يمسسك الله بضرّ فلا كاشف له إلاّ هو
وإن يمسسك بخير فهو على كلّ شيء قدير *
وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير }
[18 الأنعام]
كما قال تبارك وتعالى :
{ قل من رّبّ السّماوات والأرض
قل الله
قل أفاتّخذتم من دونه أولياء لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضرّاً
قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظّلمات والنّور
أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم
قل الله خالق كلّ شيء وهو الواحد القهّار }
[16 الرعد]
فليت أنّ الجماعات الدينيّة المتعصّبة لفهم ولتطبيق سلف أعملوا فكرهم إتّباعا لقول {الله} عزّ وجلّ :

{ ففروا إلى الله إنّي لكم منه نذير مّبين }
[50 الذاريات]
وقوله تعالى :
{ وقل الحق من ربّكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر }
[29الكهف]

ونحن مأمورون أمرا مباشرا من {الله} عزّ وجلّ أن نُعمل الفكر وأن لا يكون مثلنا كمثل الحمار يحمل أسفارا. قال العالم المعلم الأعظم سبحانه وتعالى :

{ كذلك نُفصّل الآيات لقوم يتفكّرون }
[24 يونس]

{ إنّ في ذلك لآيات لقوم يتفكّرون }
[3 الرعد]

{ وأنزلنا إليك الذّكر لتُبيّن للناس ما نُزّل إليهم
ولعلّهم يتفكرون }
[44 النحل]

{ وتلك الأمثال نضربها للنّاس لعلهم يتفكّرون }
[21 الحشر]
فلو أنّهم فكّروا وعقلوا ما يضرب {الله} لهم من أمثال لعلموا أنّ القوة التي أُمرنا أن نّعدّها اليوم لنرهب بها الجهل هي قوّة الفكر والبيان والقدوة الحسنة والمنطق الّذي لا يجيء عن الهوى والأنانية السفلى وإنما يجيء نتاج إحسان التخلق بأخلاق {الله} .
فالدعوة إلى سبيل {الله} في عصر العلم والحضارة والتقنية المتطوّرة تطوّرا يتصاعد كل يوم جديد لا يمكن أن تكون بغير :

{ أدع إلي سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالّتي هي أحسن
إنّ ربّك هو أعلم بمن ضلّ عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين }
[125 النحل]

وهذه الآية الكريمة تعني فيما تعني أنّ {الله} تبارك وتعالى هو الّذي قدّر لمن اهتدي أن يهتدي ولمن ضلّ أن يضلّ.وحتى أن شكل ووسيلة دعوة الناس اختلفت. ففيما سلف لم يكن بمقدور الداعية إلا أن يكلم قلة من الناس ممن هم حوله أو يسافر ليكلم من هم أبعد.
أما اليوم فبمقدور الداعي أن يكلم الناس أجمعين في شتى بقاع الأرض وهو جالس لم يبرح مكان إقامته.
{الله} سبحانه وتعالى هو الهادي و تباركت حكمته هو من يضلل :

{ ومن يُضلّل الله فلا هادي له }
[186 الأعراف]

{ ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده
ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون}
[88 الأنعام]

و{الله} ؛ إن كلام {الله} هو الفصل وليس بالهزل. اقرأ :

{ يا أيّها الّذين آمنوا
عليكم أنفسكم لا يضرّكم مّن ضلّ إذا اهتديتم
إلى الله مرجِعُكُم جميعا فينبِّئُكُم بما كنتم تعملون }
[105 المائدة]

ولعلّ أن محاربة الإرهاب والخلاص منه لا ولن تتمّ بما هو حادث اليوم بتجهيز جيوش العسكر المسلّحة بأفظع آليّات الدمار وقتل الإنسانية؛ وجيوش المخابرات والتجسس الّتي أفزعت الناس وهدّدت أمنهم واستقرارهم.
و{الله} إنه لحق : أن الحرب في يومنا هذا لا ولن تصنع السلام.
ولن يسود السلام ربوع الأرض
ما لم يُتخذ السلام والمحبة وسيلة لتحقيق السلام .
ولعلّكم تعقلون.

وقد أصبح الإرهاب اليوم ذريعة قوية يتخذها الأقوياء للسيطرة على الضعفاء والتحكم في مصائرهم . فإن أردتم الخلاص من الإرهاب يا دعاة السلم والأمان فاعمدوا إلي جذور وأصول فكر الإرهابيين فصححوه وقوّموه وانتشلوا عقولهم التي ما زالت في قاع التاريخ واسحبوها إلى برّ عصر العلم والمعرفة والفهم وقوة البيان. ولن يكون لكم ذلك إلا إذا باشرتم ذلك ابتداء من عتبات دوركم .
قال {الله} تبارك وتعالى لرسوله وكلمته عيسى بن مريم عليهما السلام :

{ يا عيسى عظ نفسك فإن اتّعظت فعظ الناس }

ونحن إذ نقدم هذا الكتاب للإنسانية الضائعة في التيه المغلوبة على أمرها ؛ إنما نرجو أن يكون تأثيره وفعله كما فعلت عصا موسى كليم {الله} عليه السلام فيفلق بحر الجهل ويفتح طريقا آمناً للسلام:

{ ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي
فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا
لاّ تخف دركا ولا تخشى }
[77 طه]

وفي سبيل ذلك نحن ندعو الإنسانية كافة لإتّباع هذا العلم وهذا الهدى الّذي أُنزل من السماء : زبورا فتوراة فإنجيل ومسك الختام القران العظيم.
هذا الهدى الّذي قال عنه خاتم النبيين عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التسليم :

( خير ما جئت به أنا و النبيوّن من قبلي لا إله إلاّ {الله} )

هذه شهادة الإسلام ، هي شعار السلام ، هي آليّاته وهي عدّته وعتاده جاء بها إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السّلام وختامها المسك جاء به محمد بن عبد {الله} عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التسليم.
ولإحلال السلام في ربوع الأرض يجب أن يجتمع الناس حولها يستدفئون بقبس من نارها ويهتدون بنورها .


الإسلام
الإسلام هو السّلام المنشود
الّذي ضلّ الناس إليه السبيل.

إذن : واقع الإنسان المعاصر يقوم على معادلة يصعب حلها . ولا نقول بأنه يستحيل حلها . ذلك لأن الحل متوفر ومبذول تحت السمع والبصر.
ومن أجل ذلك خرج هذا الكتاب:

للدعوة إلى تطبيق شريعة الإسلام بمقتضيات حكم الوقت المعاصر:
استناداً على الأحسن من آيات {الله} المبينات المنصوص بها في القرآن العظيم .
واستناداً على أحاديث حكيمة وردت في السنة النبوية المشرفة .

وعلى منهاج سلوكي قويم طبّقه وأقام عليه رجل من البشر ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد
( اللحم يجفف ويدّخر لحين الحاجة) ذلك كما قال عن نفسه محمد بن عبد {الله} عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التسليم.

حكم الوقت

لعله من الضروريّ أن نبيّن ما نعنيه بعبارة { حكم الوقت } ؟
قال رسول {الله} عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التسليم :

( لا تسبوا الدهر فإن الدهر هو {الله} )

وهو عليه الصّلاة والسلام إنما يعني أن وحدة القياس هذه الّتي تعرضنا إليها سابقاً بما أسميناه الوحدة الزمكانية؛ هي حقيقة الوجود الفعلي الّتي تشهد على تجلّيات علم وإرادة وقدرة {الله} سبحانه وتعالى . هذا التّجلّي الإلهيّ هو ظاهر الآن في الزمكانية الحاضرة في السماوات والأرض وفيما بينهما . قال {الله} تبارك وتعالى :

{ قل أدع الله أو أدع الرحمن
أيّاُ ما تدعوا فله الأسماء الحسنى
ولا تجهر بصّلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا }
[110 الإسراء]

والتجلّيات الإلهية تتعدّد صورها بعدد أسماء {الله} العظيمة الحسنى.
اسم {الله} الرحمن ، تباركت أسماؤه، يتجلّى بما يمكن أنّ نّصفه بالتجلّي العام الّذي أحاط بكلّ شيء. فباسمه الرحمن تبارك وتعالى وسعت رحمته تبارك وتعالى كلّ شيء.
قال سبحانه وتعاظمت حكمته :


{ عذابي أُصيب به من أشاء
ورحمتي وسعت كلّ شيء }
[156 الأعراف ]

كلّ شيء : حاضر الآن ؛ وسعته رحمة الرحمن القائمة على علمه ، المرسومة بإرادته المقدرة بقضائه سبحانه وتعالى. فلا شيء في الوجود الحاضر وُضع عبثاً أو نافلة من الفعل ، تعالى {الله} عن ذلك عُلوّاُ كبيرا.
فماذا نشاهد الآن حاضر في الوجود ؟.
نشاهد الإسلام والمسلمين ؛ الصالحين على الصّراط المستقيم منهم كما نشاهد العاصين والمفسدين في الأرض .
ونشاهد أدياناً وعقائد أخرى متعددة ومتديّنين بها منهم الصّالحين ومنهم المغضوب عليهم والضّالين.
ونشاهد صوراً متعددة من أفعال الصّلاح والتراحم بين النّاس كما نشاهد صوراً أكثر : فساداً وانحلالاً وظُلماً وقهراً واستبداداً وطغياناً وما إلى ذلك مما يُعتبر كفراً وإلحادا .
جميع هذه الصور المتضادة المتنافرة إنّما دخلت إلى حيّز الوجود وشُملت تحت تجلّي الإرادة الإلهية الحكيمة.
وسلطان العلم الّذي خرق الأرض فاستخرج كنوزها ، ونفذ إلى أقطار السماء وبثّ منها ما سهّل لجميع أهل الأرض سبل اتّصالهم ببعض فجعلهم جيران متقاربين ، وجعل أمر حياة المعاش هيّناً سهلاً بما اخترعه من وسائل وما صنّعه من معدات وآليات سهّلت لجميع أهل الأرض مصاعب الحياة. وهو ، أي سلطان العلم ؛ لم يُفرّق بين النّاس : هذا مسلم وذاك كافر ملحد وإنما عمّم خيره على الجميع . قال تعالى :
{ يا معشر الإنس والجّنّ
إن استطعتم أن تنفُذوا من أقطار السّماوات والأرض فانفُذوا
لا تنفُذون إلاّ بسلطان }
[33 الرحمن]
{الله} سبحانه وتعالى لم يخصص فئة من النّاس أو من الجّنّ مكّنها من هذا السلطان وإنّما عمّمه على جميع خلقه . ولننظر إلى الصّورة من خارجها فماذا نرى؟
ألا نر أنّ أكثر العلماء والمخترعين والعباقرة سلاطين العلم هم من اليهود والنّصارى الكفرة والملحدين ؟!!!
هل تعلمون من كان آينشتاين مثلاً؟
الشاهد في الأمر أن جميع الخلق انسهم وجّنّهم ؛ صالحهم والطالح منهم ، قد وسعتهم رحمة من {الله} الرحمن جلّ وعلا وتباركت أسماؤه . هم جميعهم مرزوقون . قال :

{ وفي السّماء رزقكم وما توعدون *
فورب ّ السّماء والأرض إنّه لحق مثل ما أنكم تنطقون }
[23 الذّاريات]

هذا الرزق الّذي قُضي به وقُدّر مضمون بضمان كلمة {الله} لجميع خلق {الله} . وكلّ الفعل والقول صالحه والطّلح منه : إنّما قُضي وقُدّر بعلم {الله} وإرادته وقدرته :

{ والله خلقكم وما تعملون }
[96 الصّافّات]
وقال جلّ وتبارك وعلا :

{ الله الّذي خلقكم ثمّ رزقكم ثمّ يوميتكم ثمّ يُحييكم
هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء
سبحانه وتعالى عمّا يشركون }
[40 الروم].

كلّ هذا التّطور المادي في جميع أوجه الحياة ، وكلّ هذا الاختلاف في التّطور الاجتماعي والسياسي والاقتصادي إنّما ظهر على النّاس وفق إرادة {الله} الحكيمة. وكلّ هذا التباين الفكري والعقائدي إنّما هو مجعول وفق إرادة {الله} الحكيم الخبير. وقولاً واحد لا يدخل الوجود من شيء إلاّ بإرادة {الله} . وهذا ما عنيناه بحكم الوقت . هو حكم وتجلّي الإرادة الإلهية الهادية الحكيمة علي كلّ من في السّماوات والأرض وما بينهما علي قاعدة مرهونة بالزمان والمكان { زمكانية }. ولمزيد من استجلاء المعني الّذي نعنيه بحكم الوقت : نورد نماذج لأحكام وتجلّيات الإرادة الإلهية الحكيمة ؛ على سبيل المثال وليس حصراً:-

1- في الاقتصاد :-
بفضل {الله} اخترع الإنسان الآلة وطوّرها واستعملها لإنتاج مصادر الرزق والإعاشة فأدت إلي توفير الجهد البشري المباشر. مصنع واحد لإنتاج المواد الغذائية : العاملون به عدد قليل من الإداريين والفنيين والعمال : كفي بإنتاجه مئات الآلاف من البشر . وهذا مؤشر وآية من آيات {الله} الّتي تشير إلينا بجلاء أنّه قد جاء الوقت ليكون النّاس جميعهم شركاء في خيرات الأرض ، سعداء بما توفر لهم من وقت يُكرّس لخدمة أغراض حياة الذكر والفكر والشعور . وبناء عليه تجيء دعوتنا لوضع مبدأ المشاركة في الرّزق على رأس قائمة بنود دستور الإنسان المعاصر الّذي ندعو البشرية جمعاء للسعي والقتال من أجل تطبيقه استناداً على الآية الكريمة الّتي هي من أحسن ما أُنزل إلينا من ربّنا :

{ ويسألونك ماذا يُنفقون
قل العفو
كذلك يبيّن الله لكم الآيات لعلّكم تتفكرون }
[219 البقرة].


2- السياسة :-
بفضل {الله} توصّل الإنسان إلى وضع نظام للحكم وهو ما يسمّى بالديمقراطية. وهو نظام يتشارك فيه جميع أفراد الشّعب حكم أنفسهم باختيار من يمثّلهم على سدّة الحكم .
هذا النظام قُضي وقُدّر بعلم وإرادة وقدرة {الله} عزّ وجلّ.
هو من آيات {الله} الّتي تشير إلى أنّه قد جاء الوقت الّذي يتشارك فيه النّاس حكم أنفسهم.
ولعلّه من المناسب هنا أن نّتطرّق لمسألة حكم الشورى في الإسلام والّذي شُرّع علي مستوى الآيات الحسنة مّمّا أُنزل إلينا مّن ربّنا . قال تبارك وتعالى :

{ فبما رحمة من الله لنت لهم
ولو كنت فظّاً غليظ القلب لانفضّوا من حولك
فأعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر
فإذا عزمت فتوكّل على الله
إنّ الله يحبّ المتوكلين }
[159 آل عمران]

والمعنى الواضح من هذه الآية الكريمة هو : استشرهم واستأنس برأيهم فإن وافقك فخذ به و إلاّ : فاعمل بما تراه الحق والصواب . وعليه فإنّ مجلس الشّورى الّذي يكوّنه الحاكم الّذي يحكم بالشريعة ؛ هو ليس إلاّ مجلساً استشاريّاً يقوم بإصدار مقترحات بشأن ما طلبه الحاكم من مسألة ينوي أن يتّخذ قراراً بشأنها . فمقترحات واستشارات وتوصية مجلس الشورى غير ملزمة للحاكم . نقرأ مرّة أخرى :

{ فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين }

أمّا مجلس الشعب أو مجلس الأمّة أو مجلس النواب أو الجمعية التأسيسية أو المجلس التشريعي أو كيفما يُسمّى في ما يُسمّى بالنظام الديمقراطي ، فإن الحاكم ( السلطة التنفيذية ) لا يملك إلاّ أن ينفّذ قرارات هذا المجلس.
والحاكم بالشريعة يُسمّى بالخليفة . وهو يصير حاكما بأن يُوصي به الخليفة السابق أو تختاره جماعة من أهل العلم والرأي . أما الحاكم في النظام الديمقراطي ، وكما سبق ذكره ، يأتي إلي منصب الحكم باختيار وموافقة عامة الشعب.
الآية الكريمة الّتي نصّت علي أمر الشورى هي من الحسن من الآيات . والشورى كانت أحسن وأحكم نظام بحكم الوقت الّذي سلف . فما هي الآية الّتي هي أحسن ممّا أُنزل إلينا من المولى عزّ وجلّ بحكم وقتنا الحاضر المعاصر .

تلك هي قوله سبحانه وتعالى :

{ فذكّر إنّما أنت مُذكّر* لست عليهم بمسيطر*
إلاّ من تولى وكفر* فيعذّبه الله العذاب الأكبر*
إنّ إلينا إيابهم * ثمّ إنّ علينا حسابهم }
[26 الغاشية]

هذه الآية الكريمة تقول وبصريح العبارة ووضُوح المعنى أنّه ليس لأحد الحق في السيطرة على الآخرين . وإنّما له أن يُذكّر وينصح .
الحديث الشريف:
( الدين النصيحة . الدين حسن الخلق وحسن الخلق خلق {الله} الأعظم )

ثمّ أن الكلّ إيابهم إلى {الله} وهو تبارك وتعالى بيده مقاليد الأمر وهو الّذي عليه الحساب . ويسند ويدعّم هذه الآية الأحسن قول العزيز المقتدر جلّ جلاله :

{ ليس لك من الأمر شيء
أو يتوب عليهم أو يُعذّبهم فإنهم ظالمون*
ولله ما في السماوات وما في الأرض
يغفر لمن يشاء ويّعذّب من يشاء
والله غفور رحيم }
[129 آل عمران ]

ومسك ختام هذا الأمر قوله تبارك وتعالى :

{ أدع إلى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالّتي هي أحسن
إنّ ربّك هو أعلم بمن ضلّ عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين }
[125 النحل]

نقرأ مرّة أخرى هذا الأمر الصريح الشديد الوضوح :

{ وجادلهم بالّتي هي أحسن }

ولعلّ هذا الأمر ؛ بأن يكون الجدال بالّتي هي أحسن هو شرح وتوضيح للأمر بإتّباع أحسن ما أنزل من المولى عزّ وجلّ:

{ واتّبعوا أحسن ما أُنزل إليكم من رّبّكم
مّن قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون }
[55 الزمر]

لعلّ الأمر قد أتضح وبان وانجلى . فعلى مستوى الدعوة بالآيات الحسنة بحكم الوقت الّذي سلف كان جلاد بالسيف . أمّا على مستوى الآيات الأحسن فإنّ الدعوة تكون مجادلة بالحكمة والموعظة الحسنة , فإنه :
{ لا إكراه في الدين }

والدعوة للمجادلة وتبيين ما هو رشد مّمّا هو غيّ تكون وفق أحكام هذه الآية العظيمة :

{ ذكّر إنّما أنت مذكّر * لست عليهم بمسيطر }

3- الاجتماع :-
لعلّ مسألة المرأة هي من أوضح النماذج الّتي يمكن الاستدلال بها على مسألة حكم الوقت :
المرأة ماذا وكيف كانت ؟ وماذا وكيف هي اليوم ؟
كانت المرأة على أشدّ ما يكون من الاستضعاف والهوان . ولقد كانت عبئاً ثقيلاً على أهلها من الرجال . ولأنها لم تكن عنصرا منتجاً في المجتمع وذلك لضعفها وقلة حيلتها ، وكان الأمر والسلطان لمن غلب بما لديه من عوامل القوة والبأس .
أما هي فكانت جالبة العار على ولاة أمرها إن هم غُلبوا في ميدان القوة ، فسبيت نساؤهم أو خُطفن على غفلة منهم . فكان أمر إعاشتها وحمايتها من أصعب ما يواجهه الرجال؛ كانت عارا عليهم فإما أن يبوء الرجل بعاره أو يدسه في التراب . وأفظع ما كان يحدث هو أن تدفن البنت حيّة .
قال تعالى في الأمر الذي كانت عليه المرأة قبل مجيّ الإسلام :

{ وإذا بُشّر أحدهم بالأُنثى ظل وجهه مسودّاُ وهو كظيم*
يتوارى من القوم من سوء ما بُشّر به أيُمسكه على هُون أم يدسّه في التّراب
ألا ساء ما يحكمون }
[59 النحل]
وقال تبارك وتعالى :
{ وإذا الموءودة سُئلت * بأيّ ذنب قُتلت }
[9التكوير].

ولقد كانت المرأة متاعاً مملوكاً يقتني منه الرجل ما شاء حسب إمكانياته ، فيشتري الإماء لخدمته ومتعته ويتزوج من الحرائر العدد الذي يرغب فيه ، قل أو كثر حسب استطاعته ووفق ما لديه من سلطة ومال .
وجاء الإسلام والبشر على ذلك القدر من التخلّف والجهل في مجتمعات القوامة المطلقة فيها للرجال ، وليس للنساء من الأمر شيء . ولقد اقتضت حكمة الحكيم العليم الخبير سبحانه وتعالى أن يأذن بانتشال البشرية من تلك الأعماق السحيقة في بحور الجهل والتخلّف بصورة تدريجية . ولذلك تدرّج التشريع في تقنين الحقوق والواجبات حتى إذ وصل لأقصى ما يمكن للعقل البشري العام آنذاك أن يستوعبه ويُطبّقه وُضعت الأحكام الشرعية كحدٍ أدنى لا نزول عنه . قال النبيّ محمد بن عبد {الله} عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التسليم :

( نحن معاشر الأنبياء أُمرنا أن نخاطب النّاس على قدر عقولهم )

حتى إذا ما ثبتت قاعدة التشريع بحدّها الأدنى ؛ فُتح المجال لتحقيق مقامات أعلى وجُعلت اختيارية، رُغّب فيها ونُدب إليها ؛ فكان الأمر بشأنها أن الثواب لمن يحققها ولا عقاب على من يتركها .
وفيما يتعلق بمسألة المرأة حدد التشريع الحد الأقصى للعدد الّذي يمكن للرجل أن يتزوجه من النساء بأربع زوجات فقط . قال سبحانه وتعالى :

{ وإن خفتم ألاّ تقسطوا في اليتامى
فانكحوا ما طاب لكم من النّساء مثنى وثُلاث ورباع
فإن خفتم ألاّ تعدلوا فواحدة
أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألاّ تعولوا }
[3 النّساء]

ولقد رُغّب عن تعدد الزوجات بما أحيط وقُيّد زواج الأربعة بشروط قاسية قلّ من يستطيع أن يستوفيها ألا وهي مسألة العدل بينهن . وذلك وكما هو مطلوب لأجل الحقوق الإنسانية ، أن يكون الزوج كلّه للزوجة الواحدة.

قال تعالى :
{ هنّ لباس لكم وأنتم لباس لهنّ }
[187 البقرة]

ومعلوم بالضرورة أن اللباس لا يسع أكثر من واحد . ومن أجل تحقيق ذلك بالترغيب فيه والنّدب إليه جاء الأمر هكذا :
{ فإن خفتم ألاّ تعدلوا فواحدة }
غير أن حكمة الحكيم لم تقف عند حد هذا التحذير من خوف عدم العدل فقال الكريم المتعال سبحانه وتعالى الّذي لم يُفرّط في الكتاب من شيء :

{ ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النّساء ولو حرصتم
فلا تميلوا كلّ الميل فتزروها كالمعلّقة
وإن تُصلحوا وتتقوا فإنّ الله كان غفوراً رحيما }
[129 النّساء]

والعدل المطلوب حقيقة الأمر هو أن يعدل الزوج بين زوجاته الأربع في محبّته وميل قلبه . يعني أن يكون كلّه لكلّ واحدة منهن وهذا بطبيعة الحال أمرا مستحيلا . حتى أن النبيّ عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التسليم عندما كان يعدل بين أزواجه العدل الشّرعي ، كان عليه الصّلاة والسلام وجلاً من عدم تمكّنه من العدل في ميل قلبه ؛ فكان يتجه إلى {الله} متضرّعاً :

( اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا توآخذني فيما تملك ولا أملك )

وبسبيل التدريج في تحرير المرأة والرجل على السواء , جاء التشريع ينص على أن { تحرير رقبة } هو من باب كفارة الذنوب عبادة ومعاملة فقال سبحانه وتعالى :

{ وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطأً ومن قتل مؤمناً خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصّدقوا فإن كان من قومٍ عدوٍ لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة
وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة
فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليماً حكيما }
[ 92 النساء ]
فانظر وتأمل وفكر واعقل هذه القيم المتعادلة لتعويض القتل الخطأ والقائمة على العلم والحكمة :
{ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله } ( المقتول من العشيرة المؤمنة )
* { فتحرير رقبة مؤمنة } ( المقتول مؤمن من قوم عدو )
* { فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة } ( المقتول من قوم بينكم وبينهم ميثاق )
*{ فصيام شهرين متتابعين }
وقال سبحانه :
{ لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان
فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم
أو كسوتهم
أو تحرير رقبة
فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام
ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم
واحفظوا أيمانكم كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون }
[ 89 المائدة ]
فانظر وتأمل وفكر واعقل هذه القيم المتعادلة :
{ إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم }
= { أو كسوتهم }
= { أو تحرير رقبة }
={ فصيام ثلاثة أيام }

ملحوظة :
• كان هذا هو التشريع لوقت الرق وامتلاك رقاب البشر . وهو تشريع سماوي لا ريب فيه.
• فكيف لنا أن نعمل على تطبيقه في وقتنا الحاضر !؟
• وعليه يمكن أن تزول كل القيم الموضوعة في التعويض عن القتل الخطأ ما عدا :
• { دية مسلمة إلى أهله } إن لم يصّدقوا { صيام شهرين متتابعين }
• كما يمكن أن تزول كل القيم الموضوعة في التعويض عن فك عقد الأيمان ما عدا : {صيام ثلاثة أيام }
وأنظر لهذا وتعجّب:
{وعلى الذين يُطيقونه فدية طعام مسكين}
[184 البقرة]

ولعل من يقول بأن المعني هنا شهر رمضان. فنقول إنما المعني الصيام وليس الشهر.
ولقد حدّد التشريع السمح حقوقا مادية للمرأة ليكرّمها ويضعها في مكانها المناسب كإنسان بإزاء الرجل. فبعد أن رفعها من مكان استعبادها واعتبارها متاعاً مملوكا ؛ جعل لها حقّاً لدى الرّجل إن أراد زواجها ومن بعد موافقتها على هذا الزواج.
قال تعالى الحكم العدل سبحانه :
{ فما استمتعتم به منهن فآتوهنّ أجورهنّ فريضة
ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة
إنّ الله كان عليما حكيما }
[24 النّساء]

أنظر وأمعن النظر في هذا القول الحكيم قال :
{ فما استمتعتم به منهنّ }
لم يقل : فما استمتعتم بهنّ بل قال الحكيم العالم العادل :
{ فما استمتعتم به منهنّ }

اقرأ القول العظيم :
{ ومن آياته أن خلق لكم مّن أنفسكم أزواجاً
لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة
إنّ في ذلك لآيات لقوم يتفكّرون }
[21 الروم]

وانظر وتدبّر هذا : في بداية الخلق ؛ خلق {الله} تبارك وتعالى آدم عليه السّلام .
وخلق له منه زوجة واحدة هي حواء عليها السّلام .
ومن صلب هذا الزوج الكريم جاءت شعوب الأرض جميعاً. ألم يكن في مقدوره جلّ وعلا علواً كبيرا : أن يجعل لأبينا آدم عليه السّلام أربع زوجات بل العشرات ؟ .
الحق في ذلك أن الكرامة للإنسان أن يكون زوجا وليس ثلاثة أو أربعة .
والمراد الأخير للإنسان أن يكون في النهاية كما كان في البداية .
قال تبارك وتعالى :
{ يوم نطوي السّماء كطيّ السّجلّ للكتب
كما بدأنا أوّل خلق نُعيده وعداً علينا إنّا كنّا فاعلين }
[104 الأنبياء]

كذلك جعل لها حقّا مقابل حملها وإرضاعها لولده في حال انفضاض علاقة الزواج بينهما بالطّلاق.
قال الرءوف الرحيم سبحانه وتعالى :

{ أسكنوهنّ من حيث سكنتم مّن وُجدكم ولا تُضارّوهنّ لتُضيّقوا عليهن
وإن كنّ أولات حمل فانفقوا عليهنّ حتّى يضعن حملهنّ
فان أرضعن لكم فآتوهنّ أجورهنّ
وأتمروا بينكم بمعروف
وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى }
[6 الطّلاق].
المحرّمات من النساء:
هذا وبعد أن كانت متاعاً مملوكاً يتوارثه الأبناء عن الآباء جاء التشريع الحكيم فوسع دائرة المحرّمات من النساء .
قال {الله} تبارك وتعالى :
{ حُرّمت عليكم
أمهاتكم
وبناتكم
وأخواتكم
وعماتكم
وخالاتكم
وبنات الأخ
وبنات الأخت
وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم
وأخواتكم من الرّضاعة
وأمهات نسائكم
وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن
فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم
وحلائل أبنائكم الّذين من أصلابكم
وأن تجمعوا بين الأختين إلاّ ما قد سلف
إنّ الله كان غفوراً رحيما *
والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم
وأحل لكم ما وراء ذالكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين فما استمتعتم به منهن فأتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة
إن الله كان عليماً حكيما}
[24 النساء]

ألا فما أعظم هذا التشريع الّذي حرر هذا الكم الهائل من النساء من استعباد الرجال ابتداء من الأمهات وإلى حلائل الأبناء والجمع بين الأختين . فما أسعد المرأة بهذا التشريع الحكيم .
وبعد أن حرر الإسلام المرأة اجتماعيا ، كذلك حررها اقتصادياً فجعل لها حقاً في الأموال . فبعد أن كانت من ضمن الممتلكات الّتي يتوارثها الرجال عن بعضهم ، أصبح لها حقّاً في الميراث .
قال {الله} الحكيم المقتدر جلّ جلاله :

{ يُوصيكم الله في أولادكم للذّكر مثل حظ الأنثيين
فإن كنّ نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك
وإن كانت واحدة فلها النّصف
ولأبويه لكلّ واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد
فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمّه الثلث
فإن كان له إخوة فلأمّه السدس من بعد وصيّة يُوصي بها أو دين
آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيّهم أقرب لكم نفعاً
فريضة من الله
إنّ الله كان عليماً حكيما }
[11 النساء] .

وبعد أن كانت لا اعتبار لها جعل الإسلام لها حقّا مدنياً وموقعاً مؤهلا لإبداء الرأي والشهادة لإثبات الحقوق .
قال {الله} تبارك وتعالى الغفور الودود ذو العرش المجيد :

{ واستشهدوا شهيدين من رجالكم
فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممّن ترضون من الشهداء
أن تضلّ إحداهما فتذكّر إحداهما الأخرى }
[282 البقرة]

ولقد وردت هذه الترقية للمرأة ضمن الآية الكريمة الّتي تحدّد شروط كتابة المعاملات المالية وإبرام العقود فلأن يكون للمرأة نصف قيمة ما للرجل من اعتبار قانوني ، لهو خير وأرفع درجة ممّا كانت عليه قبل الإسلام .
هذه نمازج علي سبيل المثال لما كانت عليه مكانة المرأة قبل وبعد مجيء الإسلام قبل أربعة عشر قرناً من الزمان.

ماذا وكيف هي المرأة المعاصرة اليوم؟
الشاهد أن مكانة المرأة اليوم قد تبلورت وبرزت إلى منابر تكاد أن تتطابق مع مستويات منابر الرجل من حيث الالتزام والكفاءة والمقدرة على القيام بمسئولية أداء الواجب الإنساني العام تجاه الآخرين .
فسلطان العلم الّذي كان الرجل يحتكر مقوماته وآلياته قد تأذّن {الله} العليم الخبير بأن يكون مشاعا لدى الجميع .
وإنك اليوم بالكاد تجد مجالاً لم تطرقه المرأة ، حتى أنها في بعض المجالات بزّت الرجل وتفوقت عليه .
هذا بالإضافة إلى مجالها الطبيعي المفطورة عليه والّذي لا ولن يستطيع الرجل أن ينافسها فيه ألا وهو مجال الأمومة . فهي الحجر الّذي يُخرّج الأمم .
قال الشاعر:-
الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق

ولا أرى بأنني أحتاج في هذا المقام أن أُعدد المجالات الّتي طرقتها المرأة كتفاً بمحاذاة كتف الرجل. غير أنه لا بدّ لنا من أن نتعرّض لمجال ارتادته المرأة واعتلت فيه أعلى المناصب والّذي يدلّ ويكشف بصورة واضحة جليّة الإذن الإلهي بحلول وقت وميعاد تطبيق شريعة {الله} علي مستوى الّتي هي أحسن .وذلك هو مجال القضاء :
فالمرأة الّتي أعطاها مستوى الحسن من الآيات نصف قيمة شهادة الرجل ، قد جعلها {الله} الآن قاضية تحكم بالعدل في أمر الرجال والنساء معاً. هذه المرأة الإنسان المعاصر لن ولا يمكن أن تستجيب لدعوة للإسلام تقول لها تعالي إلى دين {الله} الحق وسيكون من الحقوق الّتي يوفرها لك : ربع الحق في الزوج ؛ ونصف ما للرجل من حق في الميراث وفي الشهادة .
ولكنها حتماً ستستجيب إن دعوتها إلي دين {الله} الحق الّذي يساويها بالرجل في جميع الحقوق والواجبات .
ولعل من يسأل : فأين هذا في شريعة الإسلام؟
وقبل أن نتعرّض للإجابة على هذا التساؤل لابد من أن نقرر حقيقة واقعة ومشهودة فنسأل بدورنا : أين هو التطبيق الكامل للشريعة على مستوى الآيات الحسنة في جميع أنحاء الأرض بصورة عامة. وبصورة خاصّة جداً في دولة الإسلام الأولى.
ومن ثمّ نعود للإجابة على السؤال :
قلنا أن شريعة الإسلام السمحة قامت وفق نصوص من آيات الذكر الحكيم تحدد المستوى الحسن فيما أنزل إلينا من ربّنا . وستظل على ما هي عليه إلى أن يرث {الله} الأرض وما عليها ما لم يكن هناك في القرآن العظيم آيات أخرى أحسن من تلك . وحينئذ وجب إتّباع وتطبيق ما تنصّ عليه الآية الأحسن وذلك محكوم بالإذن الإلهي الّذي نجده قد حلّ علينا بآياته التي تشير وبكلّ وضوح إلى صعوبة وعدم إمكانية تطبيق المستوى الحسن من التشريع . وإن لم نفعل ذلك فلننتظر أن يأتينا العذاب بغتة ونحن لا نشعر .
أو ليس ذلك واضحا في قول {الله} تبارك وتعالى :

{ واتّبعوا أحسن ما أنزل إليكم مّن ربّكم
من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون }
[55 الزمر]

فهل هناك أوضح من هذا الأمر المباشر من ربّ العالمين سبحانه وتعالى ؟ . هذا نذير صارخ الوضوح يتجلّى علينا اليوم على مدار الساعة . وعلينا أن نتدارك الأمر ونُحكّم فينا شرع {الله} الّذي يُبيّنه لنا في كلّ ساعة :
{ واتّبعوا أحسن ما أُنزل إليكم من ربّكم }
بل ويسوقنا إليه جلّ جلاله سوقاً حثيثاً بهذا العذاب الّذي يحيط بنا من كلّ جانب . وهو جلّ جلاله يخاطبنا في كلّ وقت :

{ ومن لّم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظّالمون }
[45 المائدة]

فأيّ عذاب نعرّض له أنفسنا اليوم وأيّ ظلم وظلام نحن نمارسه اليوم ! الرجل منا جهل قدر نفسه فطغى وتجبر و أنكر حقوق أخيه الإنسان . و المرأة يئست من نيل حقوقها الإنسانية بالحق والعدل فانصرفت تسعى لذلك بطرق أخرى فشهرت سلاح الجنس والغواية علناّ وخفية فتكشّفت وكشفت عن محاسنها الجسدية وتعرّت تظنّ أنها بذلك ربما تنال حقوقها المهضومة. واختلط حابلنا بنابلنا وأتانا العذاب ، فتأقلمنا عليه ونحن لا نشعر .
ولننظر الآن إلى ما ورد في القرآن العظيم من آيات هي الأحسن في حق المرأة والّتي تناسب الواقع المعاصر للإرادة الإلهية الّتي سبق بها القضاء ، المقدّرة الجاري تفعلها في عصرنا هذا الّذي نحن نعيش فيه الآن .


قال {الله} تبارك وتعالى :
{ ولهنّ مثل الّذي عليهن بالمعروف
وللرجال عليهن درجة
والله عزيز حكيم }
[228 البقرة]

لهنّ من الحقوق بقدر ما عليهن من الواجبات وذلك بميزان ما هو معروف وسائد من قوانين التعامل بمقتضى الحق والعدل بين النّاس . والدين المعاملة . الدين حسن الخلق . ومن أعلى مراتب حسن الخلق العدل . والعدل معادلة الحق بالواجب.
قال الحكم المقسط العدل سبحانه وتعالى :
{ فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرّة شرّا يره}
[8الزلزلة]

قوله تبارك وتعالى { فمن } و { ومن } على التحقيق ليس متعلقاً بالذكر دون الأنثى. وإنما الإشارة لكليهما على درجة واحدة من الاعتبار .
ودليل آخر وحجّة تدلل على مساواة المرأة بالرجل في الحقوق والواجبات قول {الله} تبارك وتعالى :

{ ولا تتمنّوا ما فضّل الله به بعضكم على بعض
للرجال نصيب ممّا اكتسبوا وللنساء نصيب ممّا اكتسبن
وسألوا الله من فضله إنّ الله كان بكلّ شيء عليما }
[32 النساء]

ولو أننا عرضنا هذه الآيات الكريمة على ميزان قول {الله} العادل المقتدر :

{ يا أيّها الناس إنّا خلقناكم مّن ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا
إنّ أكرمكم عند الله اتقاكم إنّ الله عليم خبير }
[13 الحجرات]
وقوله تبارك وتعالى :
{ فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل مّنكم مّن ذكر أو أنثى بعضكم مّن بعض
فالّذين هاجروا وأُخرجوا من ديارهم و أُذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا
لأكفّرنّ عنهم سيّآتهم و لأُدخلنّهم جنّات تجري من تحتها الأنهار
ثواباً من عند الله والله عنده حسن الثواب }
[195 آل عمران]
وقوله تبارك {الله} العادل الرءوف الرحيــم :

{ يا أيّها الّذين آمنوا
كونوا قوّامين لله شهداء بالقسط
ولا يجرمنّكم شنآن قوم على ألاّ تعدلوا
أعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إنّ الله خبير بما تعملون }
[8 المائدة] .

هذه الآيات العظيمة تحدد لنا ميزان العدل بين الرجال والنساء . فالخطاب للرجل وللأنثى على حدٍّ سواء . والتفاضل بينهم إنما هو مستوى التّقوى عند كلّ مّنهم . ولربّ امرأة تقيّة هي عند {الله} أفضل من كثير من رجال .
والأمر المباشر من عند {الله} العزيز المقتدر هو العدل بين أطراف متكافئة :

{ ولهن مثل الّذي عليهن بالمعروف }
عبارة لهن مثل الذي عليهن تعني أن لهن من الحقوق ما يقابل أدائهن للواجب وذلك وفق ما هو متعارف عليه في الزمان والمكان المحددين.وبعرض هذا التوضيح على ميزان قول النبي محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم :
{ نحن معاشر الأنبياء أمرنا أن نخاطب الناس على قدر عقولهم )
نتأكد من صحة ما قصدناه عن المعروف. فحين تحتل المرأة في أيّ مجتمعٍ ما مكانة توازي مكانة الرجل بحيث أنها تقوم بأداء نفس الواجب الذي يؤديه ،يكون من العدل أنها تستحق نفس الحقوق التي ينالها الرجل.
ولعلّ أن من أوضح المسائل في أمر هذا العدل بين أطراف متعادلة هي مسألة الحدود والقصاص في تشريع الحكيم الخبير :
{*}
{ الزانية والزاني
فاجلدوا كلّ واحد منهما مائة جلدة
ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر
وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين }
[2 النور] .
{*}
{ والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء
فاجلدوهم ثمانين جلدة
ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً
وأولئك هم الفاسقون }
[4 النور]
{*}
{ والسارق والسارقة
فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا
نكالاً من الله والله عزيز حكيم }
[38 المائدة]

{*}
{ إنّما جزاء الّذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً
أن يُقتلوا
أو يُصلّبوا
أو تُقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف
أو يُنفوا من الأرض
ذلك لهم خزيٌّ في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم }
[33 المائدة]

{*}
{ وكتبنا عليهم فيها أنّ
النّفس بالنّفس والعين بالعين والسنّ بالسنّ
والجروح قصاص
فمن تصدّق به فهو كفّارة له
ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظّالمون }
[45 المائدة]
الشاهد أن شريعة الحدود هي قوانين معاملات الحقوق العامة وهي لم تمييز بين رجل وامرأة وإنما تعاملهم على حدّ سواء فكلاهما مسئول أمام القضاء مسئولية فردية.
قال {الله} تبارك وتعالى:

{ إن كلّ من في السّماوات والأرض إلاّ آتي الرّحمن عبدا *
لقد أحصاهم وعدّهم عدّا * وكلّهم آتيه يوم القيامة فردا }
[95 مريم]
وقال تبارك وتعالى :
{ ولا تزر وازرة وزر أخرى
وإن تدعُ مُثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى
إنّما تنذر الّذين يخشون ربّهم بالغيب وأقاموا الصّلاة
ومن تزكّى فإنّما يتزكّى لنفسه
وإلى الله المصير }
[18 فاطر]

ولقد ثبّتت الشريعة السمحة شهادة المرأة بصورة متكافئة مقابل شهادة الرجل فيما يتعلق بجريمة القذف . فانظر وتأمل في هذه الآيات الحكيمة المحكمة .
قال تبارك وتعالى :
{ والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم
فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين *
والخامسة أن لعنت الله عليه إن كان من الكاذبين *
ويدرؤا عنها العذاب
أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين *
والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين *
ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله تواب حكيم }
[ 10 النور ]

سبل التطبيق

هنا نحن إنما نخاطب جميع البشر المتواجدين على سطح هذه الكرة الأرضية . هذه القرية الكونية الصغيرة فرداً , فرداً , أن يُدركوا أن رحمة {الله} وسعت كل شيء ؛ وأن الحرية الفردية والحياة الكريمة هي حقوق الإنسان الطبيعية والحقيقية .
عليهم أن يطالبوا بها وأن يسعوا سعياً حثيثاً مجاهدين لنيلها . عليهم أن يقاتلوا من أجل ذلك مستخدمين سـلاح العصر الناجز ؛ ألا وهو الفكر , الفكر , الفكر . ولا ينتظرن أحد أن يهبه الغاصب حقه ؛ فالحقوق لا تعطى بل تؤخذ أخذاً بالمجاهدة .قال الشاعر:-
وما نيل المطالب بالتمني # ولكن تؤخذ الدنيا غلابا .
وقبل أن نبدأ الجهاد لابد لنا أولاً أن نعد العدة وأن ننشئ قواعد القوة حتى ننطلق ونحن على أهبة الاستعداد . يجب أن يكون المحارب منا فارساً مقداماً واثقاً متمكناً من قدراته على الصراع . ذلك لأن العدو مسلح بكل قوى الشر من كذب وأنانية وجشع وخلق سيئ . هذا العدو الذي يؤرقنا ويقضّ مضاجعنا ويفسد حياتنا : هو
[ الـجـهــــــل ]

( رأس الحكمة مخافة {الله} )
و
{ إنما يخشى الله من عباده العلماء }

إذن فسلاحنا الماضي الذي سيمكننا من النصر بدون إراقة لدماء الخلق بل بالإبقاء على حياتهم وتحريرهم من قيود الذل والهوان ؛ هذا السلاح هو :
{ العلم }
قال الشاعر:
العلم يرفع بيتاً لا عماد له * والجهل يهدم بيت العز والشرف

والعلم هو علم {الله} وحده لا شريك له . يعلمه لمن يشاء ويمنعه عمن يشاء :

{ ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء }

العالم هو { الله } جلّ جلاله وتقدّست أسماؤه ؛ هو :
{ الله لا إله إلاّ هو الحيّ القيّوم
لا تأخذه سنة ولا نوم
له ما في السّماوات وما في الأرض
من ذا الّذي يشفع عنده إلاّ بإذنه
يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم
ولا يحيطون بشيء مّن علمه إلاّ بما شاء
وسع كرسيّه السّماوات والأرض
ولا يئوده حفظُهُما وهو العلىّ العظيم}
[255 البقرة]

{ قل هو الله أحد * الله الصّمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن لّه كُفوا أحد }
[4 الإخلاص]


{الله}
جلّ جلاله
هو الواحد الأحد الصّمد
هو الاسم العلم للمحبة المطلقة
هو أول منازل القيد بالظهور من الإطلاق
قال في الحديث القدسي :

{ كنت كنزاً مخفيّاً فأحببت أن أُعرف
فخلقت الخلق فتعرّفت إليهم فبي عرفوني }

فالمحبّة هي أول مظاهر الكنز الّذي كان مخفيّاً. هي الوعاء المثلّث الّذي ضمّ جميع القيم المطلقة. أركانه الثّلاثة هي من القمّة إلى القاعدة :

{ * العلم * الإرادة * القدرة }
المحبّة هي العروة الوثقى الّتي لا انفصام لها . وهذا يعني أن العلم فالإرادة فالقدرة ثالوث لا ينفصم . فأنت لا يمكن لك أن تُميّز بينهم كأن تقول : هذا هو العلم وهذه هي الإرادة . وهذه هي القدرة . ذلك لأن كلّ ركن من أركان هذه العروة الثّالوث تتمثل فيه بقية الأركان . وما الاختلاف في المسميات إلاّ لبيان قوله تبارك {الله} أحسن القائلين :
{ أن أُعرف }
واختلاف المسمّيات إنما هو اختلاف مقدار فحسب يُظهر درجات التّجلي للواحد الأحد الصّمد . ومن اختلاف المقدار في درجات التّجلي ظهر تعدد الآلهة.
القول :
{ بسم الله الرّحمن الرحيم }
هذه الأسماء الحسنى العظيمة هي جوهر الروح لثالوث المحبة ( العروة الوثقى ).
الاسم العظيم :
{ الله }
هو قمّة ثالوث المحبّة واحد أحد صمد . مفرد متفرّد لا ضدّ له :
{ ليس كمثله شيء }
وتقوم قاعدة هرم جوهر الروح على الثنائية . وهي مقام الصفات أول منازل التعدد:
{ الرّحمن }{ الرّحيم }
و تنزّلاً من القاعدة الثنائية برز تعدد الآلهة . جميع أسماء {الله} الحسنى العظيمة ما عرفناه وما لم يقصص {الله} لنا عنها ؛ كلّ منها ثالوث : عُروة محبّة وثقى لا انفصام لها. على قمّة الهرم يتربع الملك . وهو الإله .
وأنت لا تستطيع أن تفرّق بين اسم من أسماء {الله} العظيمة والاسم الآخر .
ذلك لأنّ كل اسم تنطوي فيه جميع الأسماء الحسنى العظيمة .
واختلاف الأسماء هو اختلاف مقادير التّجلي للمحبة تنزّلاً من الاسم الأعظم :
{ الله }
الواحد الأحد الصّمد

{ قل إنّما أنا بشر مّثلكم
يُوحى إليّ أنّما إلهكم إله واحد
فاستقيموا إليه واستغفروه وويل للمشركين}
[6 فُصّلت]

فالإله الواحد وهو {الله} جلّ جلاله :
{ لا إله إلاّ الله }
{إنني أنا الله لا إله إلاّ أنا }
ولقد تعدّدت الآلهة عند العباد عندما اختلط على العقل إدراك وحدانية الإله نتيجة لتلبيس آلية إعمال التفكير القائمة على الثنائية فوقع الوهم بامتلاك الإرادة . وبناء على ذلك اختلف العباد حول مسألة الجبر والاختيار . وهم ما زالوا مختلفين . قليل منهم من تحقق عنده الإدراك بأن العبد مسيّر تسييراً مطلقاً . وهؤلاء هم الصفوة وعلى قمتهم الأنبياء عليهم السلام ثم الأولياء فالصالحون من العباد الّذين اطمأنّت نفوسهم واستيقنت بأنّ جميع ما في الوجود من خير ومما يُتوهّم أنه شرّاً ما هو إلاّ تعبيرات عن المحبة المطلقة التي قام الوجود عليها . ومن ثمّ رضي {الله} عنهم ورضوا عنه . أما أكثر العباد فقد اتخذ كلّ منهم له إلهاً ، وذلك بأنهم لا يعلمون. وهم لا يعلمون بسبب ما وقع بينهم وبين الحقيقة من وهم الإرادة وهو ما وُصف بغطاء الغفلة :
{ لّقد كنت في غفلة مّن هذا
فكشفنا عنك غطاءك
فبصرك اليوم حديد }
[22 ق]

ولعل موقع ( وهم غطاء الغفلة ) من مسيرة الخلق يجيء متزامنا مع المعنى الوارد في عبارة
[ فتعرّفت إليهم ] التي وردت في الحديث القدسي :

{ كنت كنزا مخفيّا فأحببت أن أُعرف فخلقت الخلق فتعرّفت إليهم فبي عرفوني }

وذلك لأن التعرّف إنما هو داخل دائرة النفس الواحدة متفاعلاً ببواعث الروح الواحدة التي نُفخت في صور الوجود بدرجاتٍ متفاوتة :
{ أرأيت من اتّخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا}
[43 الفرقان]

{ أفرأيت من اتخذ إلهه هواه
وأضلّه الله على علم
وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة
فمن يهديه من بعد الله
أفلا تذكّرون}
[23الجاثية]

إن كلّ من اتخذ إلهه هواه إنما عبد نفسه التي بين جنبيه . ولذلك جاء التحذير النبوي الكريم ممّن أرسل هاديا ومبشرّا ونذيراعليه أفضل الصلاة وأتم السلام:
( إنّ أعدى أعدائك نفسك التي بين جنبيك )

وقال عليه أفضل الصّلاة وأتم التسليم :

( رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر ألا وهو جهاد النفس) .

فالنبي محمد بن عبد {الله} عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التسليم جاء مبشّراً بأوان التحاق الأرض بأسباب السماء لتكون المحبة كما في السماء كذلك على الأرض .
مبشراً ب{الله} وبرحمته الّتي وسعت كلّ شيء .
وجاء منذراً ألاّ تُتّخذ النفس إلها من دون {الله} . وهذا الإنذار جاء به المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتمّ التسليم ليبلغه للناس باللطف واللين وبالرحمة والرأفة وبالبيان لحقيقة أن {الله} تبارك وتعالى هو الّذي بيده الملك وهو على كلّ شيء قدير.
ولقد تلقى النبيّ عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التسليم التوجيه من ربّ العالمين بأنه ليس له من الأمر شيء وإنما الأمر {لله} :

{ أرأيت من اتّخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا }
[43الفرقان]

{ ليس لك من الأمر شيء
أو يتوب عليهم أو يعذّبهم فإنّهم ظالمون *
ولله ما في السّماوات وما في الأرض
يغفر لمن يشاء ويُعذّب من يشاء
والله غفور رّحيم}
[129آل عمران]

فما هو ما في السماوات والأرض الّذي هو {لله}؟.
إنها المحبة. لأجلها وبها تمّ ويتمّ كشف الغطاء عن الكنز الّذي كان مخفيّاً . فإن أردت أن تجد {الله} فعليك بالمحبّة . وإن أردت أن ترى {الله} فعليك بالمحبة .
والمحبّة لا تجدها إلاّ في القيد الّذي تقيدت به عند :( فأحببت أن أُعرف )

فكان القيد هو :
( فخلقت الخلق )

وهذا ما يدلّ عليه قول الرسول الكريم الّذي جاء من أنفسنا ليكون بنا رءوفا رحيما:

( الخلق كلهم عيال {الله} فأحبهم إلى {الله} أنفعهم لعياله )

فإن أردت أن تجد {الله} فعليك بمحبّة خلقه كلهم جميعاً . وإن أردت أن تجد {الله} فعليك بمحبّة عياله . قال ربّ العزّة والجلال يخاطب عبده :

( مرض عبدي فلاناً فلم تعده فإن كنت عدته لوجدتني عنده )
و
( جاع عبدي فلاناً فلو كنت قد أطعمته لوجدتني عنده )

وهذا يعني أن {الله} يتجلى حيث وجدت المحبّة . فإن أردت أن تحب {الله} وأن يحببك {الله} فأحبّ خلقه . ولا يكون لك أن تحبّ خلق {الله} إلاّ بمسالمتهم والسعي في منافعهم والحرص علي إشاعة الأمن والاطمئنان بين ربوعهم وذلك مهما اختلفت أشتاتهم ومهما تنوعت آراءهم فإنهم كلّهم جميعهم عيال {الله} .
هو {الله} خالق العباد وهو {الله} عائلهم وهو {الله} رازقهم وهو {الله} معلّمهم وهو {الله} شافيهم وهو {الله} مُرجعهم إليه . هو {الله} حولهم وهو {الله} قوّتهم هو حسبهم وهو نعم الوكيل.
الخلق خلق {الله} والدين دين {الله} . ودين {الله} المحبة . ومن أجل إشاعة الفهم بين العباد لأمر المحبة التي يقوم عليها دين {الله} أرسل {الله} الرسل الكرام إلى عباده ووضع الشريعة تحدد وسائل ومسالك المحبة.
قال محمد بن عبد {الله} عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التسليم :
( الدين المعاملة – الدين حسن الخُلق )

ولم يقل عليه الصّلاة والسلام بأن الدين هو الصّلاة والصيام. ذلك لأن العبادة إنما هي وسيلة المعرفة لتحقيق المحبة وحسن المعاملة للعباد . ألم يقل عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التسليم :

( ربّ مصلّ لم يقم الصّلاة )
و
( ربّ مصلّ لم تزده صّلاته من {الله} إلاّ بعداً )
والعياذ ب {الله}.
الدين دين {الله} والخلق كلهم جميعاً عيال {الله} . ودين {الله} الإسلام :
{ شهد الله أنّه لا إله إلاّ هو
والملائكة وأُولوا العلم قائماً بالقسط لا إله إلاّ هو العزيز الحكيم *
إنّّ الدّين عند الله الإسلام
وما اختلف الّذين أُوتوا الكتاب إلاّ من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم
ومن يكفر بآيات الله فإنّ الله سريع الحساب *
فإن حاجّوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتّبعن
وقل للّذين أُوتوا الكتاب والأمّيّن ءأسلمتم
فإن أسلموا فقد اهتدوا وّإن تولّوا فإنّما عليك البلاغ
والله بصير بالعباد }
[20 آل عمران]

يتبع (أسلمت وجهي {لله}
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوسف هاشم محمد نجم
عضو جديد



ذكر
عدد الرسائل : 8
العمر : 77
تاريخ التسجيل : 20/09/2011

دستور الإنسان المعاصر Empty
مُساهمةموضوع: تابع/دستور الإنسان المعاصر (أسلمت وجهي {لله}   دستور الإنسان المعاصر I_icon_minitimeالثلاثاء سبتمبر 20, 2011 2:30 pm

{ أسلمت وجهي لله } هذا هو دين {الله} الإسلام .

{ ومن أحسن ديناً مّمّن أسلم وجهه لله وهو محسن واتّبع ملّة إبراهيم حنيفاً
واتّخذ الله إبراهيم خليلا }
[125 النساء]

وأول من أسلم من خلق{الله} هو المشرّف المكرّم محمد بن عبد {الله} عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التسليم. وهو المحبوب الأعظم أول الضياء للمحبّة ومبتدأ الخلق في الوجود . وبه عرف الخلق ربّهم خالق كلّ شيء الواحد القهّار.
{ قالت الأعراب آمنّا
قل لّم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولمّا يدخل الإيمان في قلوبكم
وإن تُطيعوا الله ورسوله لا يلتكم مّن أعمالكم شيئا
إنّ الله غفور رحيم }
[14 الحجرات]

الإسلام دون الإيمان لا عبرة به عند {الله}. إلاّ أنه ِوجاء لكل من دخله بقول الشهادة والصّلاة والصيام والزكاة حتى وإن كان نفاقا ورياء . به عصم دمه وماله . وهذا في معنى أن الشريعة عليها بالظاهر . قال الرسول الكريم عليه الصّلاة والسلام:
(أُمرت أن أُقاتل الناس حتى يشهدوا ألاّ إله إلاّ {الله} وأن محمدا رسول {الله}
ويقيموا الصّلاة ويؤتوا الزكاة
فإن هم فعلوا عصموا مني دماءهم وأموالهم إلاّ بحقها
وأمرهم إلى {الله})
أما الإسلام الذي هو{ الدين عند {الله} هو الاستسلام الواعي لأمر {الله}. ولا يتحقق ذلك للعبد إلاّ بعد أن يقطع مساحة الإيمان فالإحسان ومن ثم يدخل في دائرة اليقين ب{الله} . فالإسلام الّذي هو الدين عند {الله} لا يتحقق إلاّ بعد الترقي علي درجات سلم الإسلام السباعي . هكذا :
1- إسلام ( بالظاهر)
2- إيمان ( وهو عمل بالجوارح وتصديق بالجنان)
3- إحسان ( أن تعبد {الله} كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك )
4- علم اليقين :
{ كلاّ لو تعلمون علم اليقين }
[5 التكاثر]
5- علم عين اليقين :
{ ثمّ لترونّها عين اليقين }
[7 التكاثر]
6- علم حق اليقين :
{ إنّ هذا لهو حقّ اليقين * فسبّح باسم ربّك العظيم }
[96 الواقعة]

7- وبعد أن يترقى العبد في هذه الدرجات الست يتحقق له أن يسلم وهذه هي الدرجة المعتبرة عند {الله} بقوله:
{ إن الدين عند الله الإسلام }

هذا ما كان عليه محمد بن عبد {الله} عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التسليم :
{ قل إنّني هداني ربّي إلى صراط مّستقيم
دينا قيما ملّة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين *
قل إنّ صّلاتي ونسكي ومحيايّ ومماتي لله ربّ العالمين *
لا شريك له وبذلك أُمرت
وأنا أوّل المسلمين }
[163 الأنعام]

وعندما يحقق العبد هذا المقام في الإسلام لا يبقى في قلبه مثقال ذرّة من كره . وإنما يكون قلبه قد أضاء بفيض من المحبة الخالصة المخلّصة من كلّ مظاهر الأنانية وعندها يفنى العبد عن الأنا السفلى ويبقي بالأنا العليا وهي :
{ إنّني أنا الله
لا إله إلاّ أنا
فاعبدني وأقم الصّلاة لذكري }
[14 طه]

وبهذا يكون العبد قد حقق كمال العبودية {لله} فيصبح بذلك بخلق {الله} رءوفا رحيما .
إن فرح ففرحه ب {الله} وإن غضب فغضبه {لله} . لا يرى فيما حوله غير وجه {الله} ولذلك لا يقول قولا ولا يفعل أمرا إلاّ ومقصده إشاعة المحبة بين خلق {الله} وتوصيل خير {الله} لخلق {الله} عملا لوجه {الله} لا يبتغي عنه جزاء ولا شكورا :

{ ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يُقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين }
[85 آل عمران] .


فما هي الشريعة؟
قبل أن نشرع في إجابة هذا السؤال يستحسن أن نبيّن مفهومنا عن ماهية الدين. فما هو المقصود من لفظة الدين بصورة عامة؟
الدين هو الانفعال بالمقتضيات الإيجابية للعقل
من أجل تحقيق توازن النفس البشرية.

فكيف هي الحكمة المتعلقة بتسوية النفس البشرية؟
من القرآن قال رب العزّة والجلال والإكرام:

{لا يكلف الله نفساً إلا وسعها}
وقد قال تبارك الرحمن رب العالمين:
{ ونفسٍ وما سوّاها * فألهمها فجورها وتقواها *
قد أفلح من زكّاها * وقد خاب من دسّاها }
[10 الشمس]

ومن السنّة النبويّة المشرفة قال محمد النبي عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم:

(نحن معاشر الأنبياء
أمرنا أن نخاطب الناس على قدر عقولهم)

إذن فما هي الشريعة؟
الشريعة هي مدخل الدين. هي المدخل الرئيسي لحظيرة الدين. وليس من سبيل آخر للدخول في الدين غير الابتداء بالعمل بها.
من أنكر أو فرّط أو تهاون في الالتزام بركن من أركانها فهو خارج الدين. ومن يعمل بها ويلتزم أركانها بلا زيادة أو نقص، فإنه واقف على عتبة الدخول إلى الدين. تقول: شرع شريعة إلى الماء؛ أي اتخذ طريقاً إليه. و المكان الذي يقف فيه من يود أن يرد الماء أو أن يستقل مركباً يعبر به إلى شاطئ آخر: يسمى: مُشرع.
فالشريعة هي الطريق الوحيد الذي يتخذه العباد في سبيل الدخول إلى الدين. الشريعة هي الدين ولكن ليست هي جماع الدين , و إنما هي طرف البداية للدين مما يلي العباد . أما جماع الدين, أو قل: طرف النهاية للدين إنما هي عند {الله} ألعلي العزيز القدير.
قال تبــارك وتعالى:
{ إن الدّين عند الله الإسلام }
[19 آل عمران]

وبداية الإسلام هي الشريعة. هي الفروض والأركان التي وُضعت كحدٍ أدنى لتنظيم حياة الناس: علماً, وعملاً بمقتضى العلم, على قدر العقلية السائدة وإمكانية التطبيق المتاحة. يتخذها الناس لتنظيم وترشيد حياتهم النفسية، الجسدية، الفكرية، السياسية، الاقتصادية و الاجتماعية.
والشريعة تحكم بظاهر العمل وفق متطلبات مستوى الإسلام في طرف البداية. فمن شهد قولا باللسان أنه {لا إله إلاّ الله} وأن محمداً رسول {الله} وأقام الصّلاة وآت الزكاة وصام رمضان والحجّ لمن استطاع إليه سبيلا؛ فقد دخل الإسلام وعصم دمه وماله. ذلك حتى ولو كان منافقاً في كلّ ما قال وما فعل. وهذا معنى أن الشريعة عليها بالظاهر.
قال تبارك وتعالى:
{ قالت الأعراب آمنّا
قل لّم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا
ولمّا يدخل الإيمان في قلوبكم }
[14 الحجرات]
هذا هو الإسلام في طرف البداية وهو مستوى دون الإيمان. أمّا الإسلام في طرف النهاية هو أعلى بكثير فوق الإيمان. هو يأتي بعد أن تقطع وتُستوفى درجات الإيمان, فالإحسان ثمّ تُرتقي مراقي: علم اليقين, فعلم عين اليقين, ثمّ علم حق اليقين. بعد ذلك يتحقق الدخول في الإسلام الحق الّذي هو طرف النهاية:
{ إنّ الدين عند الله الإسـلام }
[19 آل عمران]
وأول من تفضّل {الله} عليه بنعمة تحقيق هذه الدرجة من الإسلام هو محمد بن عبد {الله} عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التسليم.
قال تبارك وتعالى:
{ قل إنّني هداني ربّي إلى صراط مستقيم
ديناً قيما ملّة إبراهيم حنيفاً
وما كان من المشركين *
قل إنّ صلاتي ونُسكي ومحياي ومماتي لله ربّ العالمين *
لا شريك له وبذلك أُمرت وأنا أوّل المسلمين }
[163 الأنعام]
ولقد تقلّب خليل {الله} إبراهيم عليه السّلام في مراقي الإيقان حتى أسلم.
قال تبارك وتعالى :
{ وإذ قال إبراهيم ربّ أرني كيف تحي الموتى
قال أو لم تؤمن
قال بلى ولكن ليطمئنّ قلبي
قال فخذ أربعة مّن الطّير فصرهنّ إليك
ثمّ اجعل على كلّ جبل مّنهن جزءاً ثمّ ادعهنّ يأتينك سعيا
واعلم أنّ الله عزيز حكيم }
[260 البقرة]

وبعد أن أتمّ {الله} للخليل عليه السّلام أن يطمئن على الإيمان تفضّل عليه بالدخول إلى مراقي الإيقان.
قال تبارك وتعالى :
{ وإذ ابتلى إبراهيمَ ربُّهُ بكلماتٍ فأتمّهنّ
قال إنّي جاعلك للنّاس إماما
قال ومن ذرّيّتي
قال لا ينالُ عهدي الظالمين }
[124 البقرة]
وقال تبارك وتعالى :
{ وكذلك نُري إبراهيم ملكوت السّماوات والأرض
وليكون من الموقنين }
[75 الأنعام]


ثمّ جاءه الفضل الأكبر بالإسلام :
{ إذ قال له ربّه أسلم
قال أسلمت لربّ العالمين }
[131 البقرة] .

لعلّ الفرق بين الإسلام في طرف البداية والإسلام في طرف النهاية قد بات واضحاً. فلا يمكن أن يكون إسلام المصطفى عليه أفضل الصّلاة وأتم التسليم وإسلام الخليل عليه السّلام هو بعينه ذلك الإسلام الّذي ردّ {الله} تبارك وتعالى إليه الأعراب حين قال تبارك وتعالى :

{ قالت الأعراب آمنّا
قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا
ولمّا يدخل الإيمان في قلوبكم }
[14 الحجرات]


وجاءت شريعة الإسلام جامعة لخصائص الشريعتين السابقتين :

{ شريعة موسى عليه السلام
وشريعة عيسى عليه السلام }

ومكملة لنهج تسيير الحياة وفق ما جدّ على العقل البشري من تطور.
قال الحكيم الخبير :
{ الم * الله لا إله إلاّ هو الحيّ القيّوم *
نزّل عليك الكتاب بالحقّ مصدّقاً لما بين يديه وأنزل التّوراة والإنجيل *
من قبل هدى للنّاس وأنزل الفرقان
إنّ الّذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد
والله عزيز ذو انتقام }
[4 آل عمران]

وقال تبارك وتعالى :
{ وكذلك جعلناكم أمّة وسطاً
لتكونوا شهداء على النّاس
ويكون الرّسول عليكم شهيدا }
[143 البقرة]

الشريعة هي الوسيلة التي يتوسل بها عباد الرحمن للدخول والصعود إلى مراقي الدين؛ ينشدون الغايات الموصوفة لهم والنتائج المرجوة والمؤكد تحقيقها لو أنهم سلكوا الطريق الصحيح إليها.
ولأن الوسائل الصحاح لابد أن تكون من جنس الغايات الكريمة فإن الشريعة هي الدين موضوعاً في أبسط وأسهل صوره مقرّباً وفق مستوى واقع الناس الفكري والاقتصادي والاجتماعي.
قال الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة وأتمّ التسليم:

( نحن معاشر الأنبياء أُمرنا أن نخاطب الناس على قدر عقولهم )

هذا شرح على الآية الكريمة :

{ بالبيّنات والزّبر وأنزلنا إليك الذكر لتبيّن للنّاس ما نُزّل إليهم ولعلّهم يتفكّرون }
[44 النحل]

في هذه الآية الكريمة : الإنزال غير التنزيل .
أُنزل الذكرُ:{ القرآن } كله وخُتمت بذلك النبوة. فلن يكون هناك إنزال جديد أو مستأنف. أما التنزيل فهو كما قال النبي صلى {الله} عليه وسلم : مخاطبة الناس بما يمكن لعقولهم أن تدركه من هذا القران العظيم . وبما يمكنهم العمل به. والأمثلة على ذلك مستفيضة.
قال جلّ وعلا :
{ وإن خفتم ألاّ تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم مّن النّساء
مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألاّ تعدلوا فواحدة
أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألاّ تعولوا }
[3 النساء]
وقال سبحانه وتعالى :
{ ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النّساء ولو حرصتم
فلا تميلوا كلّ الميل فتذروها كالمعلّقة
وإن تصلحوا وتتّقوا فإن الله كان غفوراً رّحيما }
[129 النساء]
المطلوب في ميزان أعلى قيم الاجتماع الحياتية هو الزوج الواحد من ذكر وأنثى. الرجل الواحد يتزوج امرأة واحدة. والمرأة الواحدة ليس لها إلا زوج واحد. ولم يكن من الحكمة في ذلك الوقت أن يقضي التشريع بزواج الواحدة فقط , ذلك لأن الرجل في ذلك الوقت كان يتزوج العديد من النساء , كما كان يمتلك عشرات الإماء. وكان ذلك هو العرف السائد حينذاك.
قال {الله} تبارك وتعالى يوجّه نبيّه عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التسليم:

{ خذ العفو وأمر بالعرف
وأعرض عن الجاهلين }
[199 الأعراف]

بالإضافة إلى وضع المرأة في المجتمع فقد كانت تعتبر ضمن ما يستطيع الرجل أن يمتلك منه العدد الذي يشاء حسب إمكانياته من مال وسلطة. كذلك كانت البنت تعتبر مما يجر العار على أهلها, فكان التشديد على حراستها, ومن لم يكن يستطع أن يصونها من الخطف والسبي كان يدفنها حيّة.

{ وإذا الموءودة سُئلت * بأيّ ذنب قُتلت }
[ 9 التكوير].

ومثال آخر: قام تشريع المال على الزكاة بمقاديرها وأوقاتها المعروفة. وحتى عن هذه أحجم بعضهم وقالوا: [ إننا نصلي ونصوم ولكننا و{الله} لا نؤتي أموالنا ] والإشارات في القرآن عن أن الزكاة ليست هي المطلوب الأخير مستفيضة ومتعددة.
قال {الله} تبارك وتعالى :
{ وآتوهم مّن مّال الله الّذي آتاكم }
[33 النور]
قال :
{ من مال الله }
أمّا في آية فرض الزكاة فقد قال :
{ خذ من أموالهم }

ولعلّ مسألة التدرّج في التشريع واضحة هنا لا لبس فيها ولا غموض.
وقال النبي الكريم صلى {الله} عليه وسلم :
( في المال حق غير الزكاة )

وقال تباك وتعالى :
{ والله فضّل بعضكم على بعض في الرّزق
فما الّذين فُضّلوا برادّي رزقهم على ما ملكت أيمانهـم
فهم فيه سواء أفبنعمة الله يجحدون }
[71 النحل ]

وقال جلّ وعلا لتحديد القيمة العليا في مسألة إنفاق المال :
{ ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو }
[219 البقرة]

الأنبياء عليهم السلام , خاطبهم الرب سبحانه وتعالى على قدر عقولهم التي أعدّها وهيّأها سلفاً لتلقي هذا الخطاب العظيم . وفي حق نبيّنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتمّ التسليم كان الخطاب من المولى عزّ وجلّ هو مسك الختام. وعنده؛ صلى {الله} عليه وسلم, خُتم الوحي من {الله} تبارك وتعالى. وبذلك خُتمت النبوّة. وبختم النبوّة اكتمل وضع الدستور الذي ينظم حياة البشر؛ ليس المسلمين فحسب, وإنما جميع العالمين: الإنس والجن. وهو في حقيقة الأمر دستور الحياة منذ انبثاقها وإلى أن يرث {الله} الأرض ومن عليها؛ لا بل و حتى تلقى الحياة ربها حيث لا حيث وعند لا عند.
وعليه فإن كل الذي أراده {الله} سبحانه وتعالى أن يُقال: قد تمّ قوله وإنزاله. ولن يكون هناك قول جديد يُقال أو يُنزل:
( رُفعت الأقلام وجفت الصحف )

هذا في حق الإرادة الإلهية الحكيمة. أما فيما يتعلق بالحياة وأحيائها, فإن كل يوم جديد يكشف أُفقاً كان مخفيا. ويكون فيه إدراك أوسع يتطلب تنظيماً يوافق الاحتياجات الحياتية المستجدة الظهور, ويواكب القدرات الفكرية المتوسعة. وهذا يعني أن التنزيل مستمرّ بمعنى أن كلّ يوم جديد يكشف لنا {الله} فيه فهماً جديداً لم يكن في اليوم السابق معروفاً.

{ كل يوم هو في شأن }

وهذا ممّا يطالعنا من فهم لحديث المصطفى عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التسليم :

( خالق غدٍ يأت برزق غدٍ كلّ غدٍ )

ذلك أنّ الرّزق ليس ماديّاً فقط وإنّما هو أيضا رزق العلم والمعرفة. وطالما أن دستور الحياة العام موجود ومكتمل فإنه, قولاً واحد, يشمل الحلول الشافية لكل إشكال من إشكالات الحياة المستجدة الظهور.
قال {الله} تبارك وتعالى :
{ بالبيّنات والزّبر
و أنزلنا إليك الذكر
لتبين للناس ما نُزّل إليهم
ولعلهم يتفكرون }
[44 النحل]
قلنا أن التنزيل يعني التبيين من القرآن على قدر ما يحتاجه ويستوعبه الناس حسب قدر عقولهم, ووفق واقع المقدرات الحياتية الواقعية؛ وفي نفس الوقت يندبهم ليتفكروا. وهذا هو ما يقرره القرآن.
قال تبارك وتعالى:
{ لا يكلّف الله نفسا إلاّ وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت }
[286 البقرة]

ومن ضمن القدر الذي نُزّل كانت الشريعة. والشريعة معاملة وعبادة. العبادة وسيلة للمعاملة. ألم يقل من أُوتيّ جوامع الكلم عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التسليم:

(الدين المعاملة ) و ( الدين حسن الخلق ) و ( حسن الخلق خلق{الله} الأعظم )

والعبادات هي الوسيلة الناجعة لإذكاء الفكر. {الله} سبحانه وتعالى وضع الأهداف نصب أعيننا ووضع الآلية التي إن استخدمت بإحسان لابد وأنها تقودنا قُدما نحو التحقيق والوصول إلى تلك الغايات المرجوّة. ولأن غاية الغايات هي وجه الكريم المتعال, فإن اكتمال الإنزال لا يعني تمام التبيين.
يمكن القول أن اكتمال الإنزال يعني تمام التبليغ. أما التبيين فقد تم بقدر استعداد المبلغين بالأمر. ولا يزال التبيين مستمراً إلى يوم الدين. الرسول عليه الصلاة والسلام في أول الأيام وفي أثناء تواجده مع الناس بشخصه الكريم المشرّف بشرف النبوّة قام بمهمة التبيين على قدر العقل آنذاك خير قيام. ولكن بعد أن انتقل إلى الرفيق الأعلى أصبح التبيين من مهمات العقول المستنيرة المؤدبة بأدب القران الكريم والسنة المشرّفة.
قال عليه الصلاة والسلام :

( تركت فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلوا أبداً كتاب {الله} وسنتي )

ولقد قال عليه الصلاة والسلام مبيناً للناس سبل التبيين المستمرة إلى يوم الدين:

( من عمل بما علم
أورثه {الله} علم ما لم يعلم )

إذن فوسيلة التبيين هي: العمل بمقتضي ما عُلم. فإن تمّ ذلك بإحسان أورث {الله} العامل بقدر علمه مزيداً من العلم.
قال جلّ وعلا:
{ سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم
حتىّ يتبيّن لهم أنه الحق
أو لم يكف بربّك أنّه على كلّ شيّء شهيد }
[ 53 فُصّلت]

فبقدر ما أراده {الله} سبحانه وتعالى للناس أن يطالعوه من آفاق يكون مستوى فهمهم ومستوى تطبيقهم. لو أن الناس أحكموا التطبيق للذي علموه من أحكام وُضعت على قدر إمكانيات استيعابهم, لانفتحت لهم الآفاق على مستوى أعلى وأرفع من المعرفة. وبذلك كلما زاد العلم والمعرفة: اتسعت رقعة الحركة في التطبيق:
( من عمل بما علم أورثه {الله} علم ما لم يعلم )
وقال {الله} تبارك وتعالى :

{ واتقوا الله
ويعلّمكم الله
والله بكلّ شيء عليم }
[282 البقرة]
ومعلوم أن التقوى من معانيها العمل بالشريعة بإحسان: تطبيق أحكامها واجتناب نواهيها. فإن كُتب للإنسان أن يفي حق التطبيق لما علمه من أحكام شرعية؛ امتدّ بصره إلى الأمام ليجد أنه مازال في بدايات الطريق؛ وكما أسلفنا القول فإن الشريعة هي الطريق الذي يقودك إلى داخل حظيرة الدين, ولأن الشريعة هي طرف الدين مما يلي السائرون إلى الديّان فإنه ليس لأحد أن يقول بأنه قد اكتمل دينه: لأنه يؤدي ما عليه من فروض وفق أحكام الشريعة؛ ذلك لأن هذه الفروض هي الحد الأدنى من [ علم : وعمل بمقتضى العلم ] وأن ما دونها خروج عن الحظيرة. وأن هذه الفروض هي قاعدة التكليف, هي أساس البنيان الذي يُراد له أن يقوم على ركائز ثابتة وأساس متين.
فإن تمّ هذا, بدأ المتديّن وشرع في الدخول إلى الدين.
وكلما شاء {الله} له أن يتوغل: شاء له أن يزداد معرفة وبذلك يرتفع مستوى تكليفه ومن ثمّ تتسع دائرة تطبيقه ومن ثمّ يعلو بنيانه:

{ لا يُكلّف الله نفساً إلاّ وسعها
لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت }
[286 البقرة]

وبقدر أهل العزم تأتي العزائم.
هذا البنيان هرم لولبيّ لا سقف محسوس له لأن قمته عند {الله} بديع السماوات والأرض, حيث لا حيث وعند لا عند.
الشريعة هي الدين وبذلك هي مطلقة إطلاق الدين. فهي لا حدود لها ولا يستطيع أحد أن يقول بأنه قد اكتمل تشرّعه. ذلك لأن الشريعة جسم لولبي مطلق شأنها هو شأن {الله} عز وجلّ فهي مستوعبة لمقتضيات كل يوم جديد في مسيرة نمو وتطور العقل البشري. و الذي يمكننا من أن نتصور آلية سير نموه وتطوره هو عصا الأعمى:
يقدمها أمامه ليؤمّن مساحة آمنة أمامه؛ فمكان وضعها تحرّك إليه. ثمّ يقدمها؛ وهكذا فكلما قطع مسافة، امتدّت أمامه مسافة أخرى.
وبسبيل التفصيل: فإن هذا الحد الأدنى من الأحكام الشرعية ورد في حديث جبريل عليه السلام. الحديث يرويه عمر بن الخطاب رضي {الله} عنه قال :
{ بينما نحن جلوساً عند رسول {الله} صلى {الله} عليه وسلم إذ أقبل علينا رجلٌ شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر , لا يُرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد ؛ فجلس إلى النبي صلى {الله} عليه وسلم : وأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع يديه على فخذيه ثمّ قال:
{ يا محمد أخبرني عن الإسلام } ؟
فقال رسول {الله} صلى {الله} عليه وسلم :

( الإسلام أن تشهد ألا إله إلا {الله}وأن محمداً رسول {الله}
وأن تقيم الصلاة وأن تؤتي الزكاة وأن تصـوم رمضان
وأن تحج البيت إن استطعت إليه سبيلا )
قال :{ صدقت }
قال عمر رضي {الله} عنه: فعجبنا له يسأله ويصدّقه.
ثمّ قال :{ فأخبرني عن الإيمان }؟
قال النبيّ صلى {الله} عليه وسلم:

( الإيمان هو أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله
واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره )

قال : { صدقت }
قال :{ فأخبرني عن الإحسان } ؟
قال عليه الصلاة والسلام:
( الإحسان أن تعبد {الله} كأنك تراه؛ فإن لم تكن تراه فإنه يراك )
بعد ذلك سأل عن الساعة وعلاماتها ثم انصرف الرجل. فلبث النبيّ صلي {الله} عليه وسلم مليّاً ثمّ قال:
( أتعلمون من هذا )؟
قلنا: {الله} ورسوله أعلم.
فقال رسول {الله} صلي {الله} عليه وسلم :
(هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم )

اقرأ: ( يعلّمكم دينكم ). قال دينكم ولم يقل: يعلّمكم الدين أو يعلّمكم دين {الله}. قال تبارك وتعالى:
{ شهد الله أنّه لا إله إلاّ هو
والملائكة وأولوا العلم
قائماً بالقسط لا إله إلاّ هو العزيز الحكيم *
إنّ الدّين عند الله الإسلام }
[19 آل عمران]

وبطبيعة الحال ليس الإسلام المشار إليه هنا هو ذلك الإسلام الّذي رُدّ إليه الأعراب حينما قالوا: آمنّا. وإنما هو الإسلام الحق الّذي قال عنه المولى تبارك وتعالى:

{ أفغير دين الله يبغون
وله أسلم من في السماوات والأرض طوعاً وكرهاً
وإليه يُرجعون }
[83 آل عمران]

فإذا وضعنا في الحسبان قول النبيّ صلى {الله} عليه وسلم:
( نحن معاشر الأنبياء أُمرنا أن نخاطب الناس على قدر عقولهم )
نعلم أن الذي جاء به جبريل عليه السلام من دين يعلمه الناس في ذلك الوقت وفي ذلك المجلس المشرّف هو الحد الأدنى من الدين جاء به على قدر استعداد الناس على الفهم والتقبّل في ذلك الوقت لطفاً من {الله} ورحمة بالعباد. وهم ليس مطلوبا منهم أكثر من ذلك:

{ لا يُكلّف الله نفساً إلاّ وسعها }

فإن هم فعلوه بصدق فقد أفلحوا. ولقد ورد في الأثر أن أعرابياً جاء إلى رسول {الله} صلى {الله} عليه وسلم وسأله عما يجب عليه أداؤه. ثمّ قوله بأنه سيؤدي ما عليه ولا يزيد. ثمّ قول النبيّ الكريم عليه أفضل الصلاة وأتمّ التسليم:
( أفلح إن صدق )

وأفلح تعني نجح في الدخول إلى الدين. والنجاح ليس له حدود لأن كماله عند {الله} سبحانه وتعالى.
والتكليف إنما يكون بقدر الإدراك لمعالم الشريعة. ولأن معالم الشريعة هي معالم الدين؛ ولأن معالم الدين هي معالم المعرفة ب {الله} القدوس السميع العليم؛ فإن التكليف ليس له حدٌّ محدود ونهاية ينتهي عندها المُكلّف. وبقدر أهل العزم تأتي العزائم. فحين كان تكليف الناس آنذاك هو هذه الأركان الخمس المعروفة كحدٍ أدنى لا يُقبل النزول عنه؛ كان تكليف النبيّ صلى {الله} عليه وسلم أكبر من ذلك وبلا حدود يمكن أن يقف عندها. ولا يُقال بأن تكليف النبيّ صلى {الله} عليه وسلم سيظل هكذا غير مفروض على الأمة وذلك لأنه نبيّ.
{الله} سبحانه وتعالى يقطع علينـا هذه الحجـة:

{ لقد جاءكم رسول مّن أنفسكم عزيز عليه ما عنتّم
حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم }
[128 التوبة]

ولقد قال النبيّ صلى {الله} عليه وسلم لذلك الأعرابي الذي جاء وأُخذ بهيبته صلى {الله} عليـه وسلم ؛ قال :

( هوّن عليك إنما أنا بن امرأة من قريش كانت تأكل القديد )

وحين بيّن النبيّ صلى {الله} عليه وسلم للناس معالم الحد الأدنى من التكليف: ندبهم للإقتداء والتأسي به.
قال {الله} سبحانه وتعالى :
{ قل إن كنتم تحبّون الله فاتّبعوني
يُحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم
والله غفور رّحيم }
[31 آل عمران ]

والإتّباع إنما يكون باقتفاء الأثر والسير خلف الخطى بوضع الأقدام على أثر الأقدام بلا زيادة أو إنقاص.
قال النبيّ صلى {الله} عليه وسلم:

( صلوا كما رأيتموني أصلي )
وقال :
( خذوا عني مناسككم )
قال {الله} تبارك وتعالى:
{ لقد كان لكم في رسول الله أسوةٌ حسنةٌ
لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً }
[ 21 الأحزاب ]

محمد بن عبد {الله} عليه أفضل الصلاة وأتمّ التسليم هو النبيّ خاتم الأنبياء؛ وهو رسول {الله} إلى الكافة.
وهو في مستوى كونه نبيّ له شريعة النبوّة. وهي شريعة فردية متعلقة به في مستوى نبوّته ولذلك لم يُكلّف بها عامة الناس وإنما نُدبوا للتأسي بها؛ وهم سيكون لهم الأجر إن هم فعلوها و إلا فلا إثم عليهم. هذه الشريعة الفردية هي السنة النبوية المشرفة.
وهي كما هو معلوم أنّها: { شريعة العامّة وزيادة } فعبادته صلى {الله} عليه وسلم كانت تزيد عن عبادة الأمة وهي فرض عين عليه.
قال {الله} سبحانه وتعالى يوجه الأمر المباشر إلى محمد بن عبد {الله} النبي عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم:
{ يا أيّها المزّمّل * قُم الليل إلاّ قليلا *
نصفه أو انقص منه قليلا * أو زد عليه ورتّل القرآن ترتيلا *
إنّا سنلقي عليك قولاً ثقيلا *
إنّ ناشئة الليل هي أشدّ وطأ وأقوم قيلا *
إنّ لك في النّهار سبحاً طويلا *
واذكر اسم ربّك وتبتّل إليه تبتيلا *
رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا *
واصبر على ما يقولون واهجرهم هجراً جميلا }
[10 المزّمّل]

هذا تكليف لم يُكلّف به الناس. بل حدث أن كان النبيّ صلى {الله} عليه وسلم يقيم الليل منفرداً بالمسجد؛ فرآه الناس وصلوا خلفه. وفي الليـلة اللاّحقة لم يخرج وصـلى في بيته. وكان أن سأله الصحابة رضوان {الله} عليهم عن سبب عدم خروجه لصلاة القيام؟
فقال عليه الصلاة والسلام :
( خشيت أن تُكتب عليكم )

ولقد خشي أن تفرض عليهم وهم في مستواهم ذلك الذي كان, و المحل فيهم لمّا يستعد بعد لأن تُفرض عليهم التكاليف النبوية العليا. والحق أنها ستكون مفروضة في حق كل من يستعد المكان فيه معرفة ومقدرة على التطبيق. فشريعة العارف معرفته. فكلما زادت المعرفة وجب التطبيق بمقتضى مستوى العلم الذي تحقق.

{ واتقوا الله ويعلّمكم الله }
و
( من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم )

ولعله من المناسب هنا أن نتعرض لما يسمى بصلاة التراويح في رمضان.
ونؤكد بأن صلاة التراويح التي تقام سنوياً طيلة شهر رمضان المبارك تصلى بعد صلاة العشاء ، ما هي إلا بدعة ابتدعها سيدنا عمر رضي {الله} عنه. وهي تعتبر بدعة حسنة بمقياس القرن السابع الميلادي.
الشاهد في الموضوع هو أن جماعة الصحابة رضوان {الله} عليهم بعد أن امتنع النبي عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم عن الخروج من بيته المشرف لصلاة القيام بالمسجد ليلاً، صاروا، تأسياً به، يصلون بالمسجد فرادى. كل يتخذ له موضعاً يصلي فيه جهراً بالمسجد. واستمر الحال بهم هكذا حتى عهد عمر رضي {الله} عنه، حين خرج عليهم ذات مرة فوجدهم على ذلك الحال يصلون فرادى جهراً فقال: لو أننا جمعناهم على إمام.
ومنذ ذلك الوقت ظهرت صلاة التراويح.
وفي المال كانت شريعة النبوة هي إنفاق العفو. فهو صلى {الله} عليه وسلم لم يكن ليكتنز رزق يومٍ للغد. وكان يقول:
( لو توكلتم على {الله} حق توكله
لرزقكم كما يرزق الطير
تغدوا خماصاً وتروح بطانا )

ولم يكن صلى {الله} عليه وسلم , ليبيت متعشياً قط وهو يعلم أن جاره جائع . كان عليه الصلاة والسلام وكأنه يقول: الأرزاق متوفرة ومبذولة للجميع, بل وأنها مضمونة كما الحال عند الطير فلماذا الكنز والجشع والخوف من يوم غد.
وقد قال صلى {الله} عليه وسلم :

( خالق غدٍ يأت برزق غد كل غدٍ )
ولقد قال عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التسليم :

( كان الأشعريون إذا أملقوا وهم في سفر
افترشوا ثوباً فوضعوا عليه ما عندهم من زاد و تقاسموه بالسوية
أولئـك قوم أنا منهم وهم مني )

هذا وكأنه يقول يجب أن تكون شريعة المال بين الناس أن يتقاسموه بالسوية. ولعمري أن الإسلام أحق بمساواة الناس اقتصادياً من أية نظرية أخرى.
قال صلى {الله} عليه وسلم :

( من كان عنده فضل زاد فليجد به على من لا زاد له
و من كان عنده فضل ظهر فليجد به على من لا ظهر له )

قال الراوي : فذهب صلى {الله} عليه وسلم يعدد في الفضل حتى ظننا أنه ليس لأحد حق في فضل . هذه إشارات واضحة ولا تحتمل أي تأويل, لأن هذا هو الحال الذي كان عليه هو صلى {الله} عليه وسلم. وعندما يرد القول الكريم من الرب العظيم:

{ قل إن كنتم تحبون الله فاتّبعوني
يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم
والله غفور رحيم }
[31 آل عمران]

فماذا بعد هذا ليؤكد أن المساواة الاقتصادية هي التكليف المرجو للنّاس الالتزام به.
وعلى قمّة الشريعة الفرديّة المشرّفة الخاصة بمحمد بن عبد {الله} عليه أفضل صلوات {الله} وسلامه: تكليفه؛ دون من سبق من الأنبياء الكرام؛ بتبليغ رسالات ربّه تبارك وتعالى إلى كافة العالمين: الإنس جميعهم والجنّ كلّهم ممن يعمرون الأرض ويتطاولون للعروج إلى السماء.
كلّ من سبق من الأنبياء الرسل الكرام عليهم السلام كان قد أرسل إلى قومه فقط:

{ ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم
فجاءوهم بالبيّنات }
[47 الروم]
{ ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه
فقال يا قوم اعبدوا الله }
[23 المؤمنون]

{ ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا
أن اعبدوا الله }
[45 النمل]

{ ولقد أرسلنا موسى بآياتنا
أن أخرج قومك من الظّلمات إلى النّور }
[5 إبراهيم]

{ كذّبت عاد المرسلين *
إذ قال لهم أخوهم هود ألا تتقون *
إنّي لكم رسول أمين }
[125 الشعراء]

أمّا خاتم الأنبياء المشرّف بالرسالة إلى العالمين فقد قال له ربّ العالمين:

{ وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين }
[107 الأنبياء]

{ وما أرسلناك إلاّ كافة للنّاس بشيرا ونذيرا }
[28 سبأ]

وقال {الله} تبارك وتعالى عن خاتم أنبيائه عليه وعليهم أفضل الصّلاة وأتمّ التسليم:

{ هو الّذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحقّ
ليظهره على الدّين كلّه
ولو كره المشركون }
[33 التوبة]

{ هو الّذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحقّ
ليظهره على الدّين كلّه
وكفى بالله شهيدا }
[28 الفتح]




أسس دستور الإنسان المعاصر

بما أنّ الأرض قد صارت : بفضل {الله} وبما تفضّل به سبحانه وتعالى علينا من سلطان العلم والمعرفة : صارت كقرية صغيرة يقطنها مجموعة من الناس يعرف بعضهم بعضا , يتداخلون فيما بينهم وكل منهم يرى ويسمع ما يدور في ساحة أبعد الجيران عنه . يفرح لفرحه ويتألم لمصابه بصرف النظر عن ملّته أو لونه أو عقيدته ؛ فقد آن أوان عهد جديد تُعتبر فيه الإنسانية جمعاء أسرة واحدة يتعايشون تحت سقف اجتماعي واحد وتحت مظلة اقتصادية واحدة. يتقاسمون خيرات الأرض بالسوية ولا يطغى بعضهم على بعض . فكل منهم محفوظ له حقه في الحياة الكريمة وفي الحرية الفردية. يتنافسون على التقوى , وعلى تحقيق أعلى قيم الحياة : الحب والجمال .
هذه البشرية الواحدة ؛ هذه الأسرة الصغيرة التي تقطن بيتاً صغيراً واحداً ؛ تمكنت من معرفة واكتشاف جميع أركانه وخباياه : يجب أن يحكمها دستور واحد وقوانين تعمل على إسعادهم جميعاً . قوانين تجمع ولا تُفرّق تساوي ولا تُميّز . قوانين تُفض نزاعاتهم باعتبارهم جميعاً بشراً إخوة من بني الإنسان : سلالة واحدة لها والد واحد وأُنجبت من رحم واحد . الخالق واحد ومن إليه يرجعون هو هذا الخالق الواحد جلّ جلاله وتقدّست أسماؤه :

{ يا أيّها النّاس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى
وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا
إنّ أكرمكم عند الله اتقاكم
إنّ الله عليم خبير }
[13 الحجرات]

فاعتبروا أيّها الناس . تفكروا وتذكّروا بأنّكم من صلب رجل واحد ومن رحم امرأة واحدة عليهم السلام .
تذكروا قول نبيّ الإسلام محمد بن عبـد {الله} عليه أفضل الصلاة وأتـمّ التسليم :

( الخلق كلهم عيال {الله} فأحبهم إلى {الله} أنفعهم لعياله )

ولا يُفسر أو يُئول هذا القول الكريم الذي ما نُطق عن هوى وإنما هو وحيّ يوحى : بأن الخلق هم أبناء الرب

{ قل هو الله أحد * الله الصّمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كُفؤاً أحد }
[4 الإخلاص]

إنما المعنى هو أن {الله} تبارك وتعالى هو العائل الوحيد لخلقه . وما من أحد من الخلق ينفع آخر إلاّ بأمر {الله} :
{ و الله خلقكم وما تعملون }
[96 الصّافّات]

{الله} سبحانه وتعالى هو الذي قدر الأرزاق لعياله .
فالرزق مضمون . والعمل ليس من أجل اكتساب الرزق وإنما هو عبادة {لله} :

{ وأمر أهلك بالصّلاة واصطبر عليها
لا نسألك رزقاً نحن نرزقك والعاقبة للتقوى }
[132 طه]

فالمطلوب من العبد هو التقوى . قال نبيّ الإسلام عليه الصلاة والسلام :
( لو توكلتم على الله حق توكله
لرزقكم كما يرزق الطير
تغدوا خِماصا وتروح بطانا )

فالمطلوب هو التقوى وهو التوكل على {الله} .
{الله} جلّ جلاله العائل لعياله المحب لهم الذي كتب على نفسه الرحمة فوسعت بذلك كل شيء ؛ لا يُفرّق بين عياله فهم كلهم لديه سواء .
وما يصيب به بعض عياله , مما نعتبره بعقولنا القاصرة , من مصائب ؛ هو في حقيقة الأمر من الدلائل على المحبة والرحمة التي وسعت جميع الخلق :

{ و لنبلونّكم بشيء من الخوف والجوع
ونقص مّن الأموال والأنفس والثّمرات
وبشّر الصابرين *
الّذين إذا أصابتهم مصيبة قالو ا إنّا لله وإنّا إليه راجعون *
أولئك عليهم صلوات من رّبّهم ورحمة وأولئك هم المهتدون }
[157 البقرة]

وقال النبيّ عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التسليم :

( إذا أحب {الله} عبداً ابتلاه )
فبعضهم ابتلاه ليعجّل سوقه إليه ويقرّبه منه . وبعضهم :
{ من يُضلل الله فلا هادي له ويذرهم في طغيانهم يعمهون }
[186 الأعراف]
قال جلّ وعلا :
{ والله فضّل بعضكم على بعض في الرزق
فما الذين فُضّلوا برادّي رزقهم على ما ملكت أيمانهم
فهم فيه سواء
أفبنعمة الله يجحدون }
[71 النحل]

ولعل الحكمة في مسألة التفضيل والتفاضل هي جعل آلية التسيير للعقول القاصرة وحفزها في طريق السمو نحو كمال العقل الكليّ . فكما سبق ذكره أن وسائل العقل الحادث للسير إلى العقل القديم الكامل هي الثنائية . وحركته بين النقيضين ومقارنته علي القطبين تحفزه للمُضي قدماً . ولعل المثل المضروب لذلك هو حركة الجسم الذي لا يسير إلاّ على رجلين : رجل يمين والأخرى يسار. قطبين : قطب موجب والآخر سالب . كذلك العقل : إن لم يتذبذب بين طرفين متناقضين لا ينمو ولا يتطور بل يظل وكأنه حجر لا يكاد أن يبرح مكانه .

دستور الإنسان الذي نحن بصدد الشروع في تبيان الأسس التي يقوم عليها هو دستور السماء . والأسس هي آيات مُبينات من الهدى والفرقان . هذه الآيات الكريمة نزلت من لدن العليم الحكيم الخبير، وتنزّلت ليكون الخطاب للناس على قدر عقولهم . جاءت كلها حسنة وحكيمة . إلاّ أن بعضها أحسن من بعض . ولقد قام تشريع المعاملات على الآيات الحسنة وذلك لمخاطبة الناس على قدر عقولهم في القرن السابع الميلادي . ولقد أُرجأت الآيات الأحسن ريثما يستطيع قدر العقل على تقبلها والعمل بموجبها . ونحن على يقين بأن العقل المعاصر قد بلغ القدر الذي يمكّنه من الاستيعاب والتطبيق للمستوى الأحسن من الآيات الكريمة التي أُرجأ العمل بها .
ونحن هنا لعلى يقين بأن بعضكم سيتهمنا بالكفر والإلحاد لقولنا هذا .
سيقولون :
[ أتقول بأن عقل إنسان اليوم أكبر من عقل أبو بكر وعمر وصحابة الرسول !؟ ] رضي {الله} عنهم وأرضاهم .
أولاً :-
نحن لم نتطرق لمقارنة بين العقلين بأن هذا أكبر من ذاك .
ثانياً :-
أبو بكر الصديق رضي {الله} عنه وأرضاه { ثاني اثنين إذ هما في الغار } قال عنه الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ، وهو يشير بإصبعيه الشريفتين : السبابة والوسطي :

( كنت أنا وأبي بكر كهاتين ؛ سبقته فاتبعني ؛ ولو أنه سبقني لاتبعته )

إن الحديث عن مسألة استعداد العقل المعاصر لتطبيق الآيات الأحسن بينما لم يكن في مقدور العقل السالف تطبيقها ؛ إنما يتناول عقل العموم وليس عقول الخصوص .
وهو وعلى التحقيق لا يتناول ولا ينبغي له أن يتناول : المكانة والدرجات . فتلك لا يعلمها إلا {الله} .
قال النبي محمد بن عبد {الله} عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم :
( رب أشعث أغبر لو أقسم على {الله} لأبره )

وإليكم هذا عن أبي بكر الصديق رضي {الله} عنه وأرضاه . والحديث لعمر بن الخطاب رضي {الله} عنه وأرضاه . قال :
( أمرنا رسول {الله} صلى {الله} عليه وسلم بالصدقة . فأتيت بمال وأتى أبو بكر بمال . فسألني الرسول صلى {الله} عليه وسلم :
( ماذا أبقيت لأهلك )
فقلت : أبقيت لهم نصف مالي .
فسأل أبي بكر رضي {الله} عنه :
( وماذا أبقيت لأهلك )

فقال أبو بكر رضي {الله} عنه : أبقيت لهم {الله} ورسوله . فقال لنا الرسول صلى {الله} عليه وسلم :

( الفرق بينكما كالفرق بين قوليكما )

ولعله من المستحسن هنا قبل أن نتجاوز هذه المسالة أن نورد ما يلي :
في مجلسه الشريف الذي كان يضم كبار صحابة رسول {الله} عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم قال :

( وا شوقاه لإخواني الذين لما يأتوا بعد )

فسألوه وهم يتعجبون : أو لسنا إخوانك !؟
فيقول عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم :
( بل أنتم أصحابي )
ولقد كررها ثلاثاً .
فسألوه بعد الثالثة : فمن هم إخوانك يا رسول {الله} !؟
قال عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم :

( قوم يجيئون في آخر الزمان . للعامل منهم أجر سبعين منكم )
فقالوا : منا أم منهم !؟
فقال عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم :
( بل منكم )
فقالوا : لماذا !؟
فقال عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم :
( لأنكم تجدون على الخير أعوانا ولا يجدون )

ونعود للحديث عن الآيات الأحسن ونقول بأنها لم تُترك ولم تُهمل إبان تشريع وتطبيق الآيات الحسنة في القرن السابع . وإنما وُضعت على نموذج حيّ جُعل شاهداً مشهوداً على مقدرة العقل البشري على الفهم والاستيعاب ، ومن ثمّ الاستعداد للتطبيق . ذلك هو محمد بن عبد {الله} عليه أفضل الصلاة وأتمّ التسليم . وُضعت على هذا النموذج الشريف المُشرّف ونُدب الناس للتأسي به :
قال تبارك وتعالى :
{ لّقد كان لكم في رسول الله أُسوة حسنة
لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر
وذكر الله كثيراً }
[21 الأحزاب]

لم تُفرض تطبيقات النبيّ عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم التي أُقيمت على قدر عقله الشريف على عموم الناس وإنما جُعلت سنّة وتُرك للناس الخيار . إن هم فعلوها نالوا الزيادة من المحبة . وإن هم تركوها فلا إثم عليهم .
قال الحكيم الحليم الرحيم :
{ قل إن كنتم تحبون الله
فاتّبعوني
يُحببكم الله ويغفر لكم ذُنّوبكم
والله غفور رحيم }
[81 آل عمران]

وعليه فقد كان هناك في القرن السابع مستويين من التشريع ومستويين من التطبيق :
( مستوى ما فُرض على الناس عامة )
{ الشريعة }
( والمستوى الثاني ما طبّقه النبيّ عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم في خاصة نفسه ).
{ السنة }

وقد نُدب الناس للتأسي به ولم يُفرض عليهم . والأمثلة على ذلك مستفيضة .
فبينما تُرك للناس خيار الادّخار والاكتناز بشرط إخراج الزكاة عندما يحول الحول على ما ادّخروا من أموال عينية وأنعام وحرث ؛ وتلك شريعتهم ؛ كان تشريع النبيّ الكريم عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التسليم هو إنفاق العفو :
{ ويسألونك ماذا يُنفقون
قل العفو
كذلك يبيّن الله لكم الآيات لعلّكم تتفكرون }
[219 البقرة]

ولقد ورد سابقاً عن كيف أن النبي عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم لم يكن ليدخر زاداً ليوم الغد . فكان يقول :
( خالق غد يأت برزق غد كل غد )

ومعروف عنه عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم أنه لم يكن يقبل الصدقة لنفسه وجميع آل بيته المشرف بل ولقد منعها عن جميع آل هاشم وآل عبد المطلب رضوان {الله} عليهم.ولعل أن أوضح مثل يذكر للتدليل على ذلك هو يوم أن أخذ أحد السبطين الشريفين تمرة من صدقة جاءت فقال له :
( كخ ، كخ إنها الصدقة . والصدقة أوساخ الناس وهي لا تجوز لمحمد ولا لآل محمد)

وبينما كان الأمر للناس بالجهاد وإعداد القوة ورباط الخيل في سبيل الدعوة للإسلام ؛ كان التشريع في حق النبيّ عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التسليم :

{ فذكّر إنّما أنت مُذكّر * لّست عليهم بمسيطر *
إلاّ من تولّى وكفر *
فيعذّبه الله العذاب الأكبر *
إنّ إلينا إيابهم * ثمّ إنّ علينا حسابهم }
[26 الغاشية]

{ ادع إلي سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالّتي هي أحسن
إنّ ربّك هو أعلم بمن ضلّ عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين *
وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصّابرين *
واصبر وما صبرك إلاّ بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مّمّا يمكرون *
إن الله مع الّذين اتّقوا وّالّذين هم مّحسنون }
[128 النحل]

{ ليس عليك هداهم ولكّن الله يهدي من يشاء
وما تنفقوا من خير فلأنفسكم وما تنفقون إلاّ ابتغاء وجه الله
وما تنفقوا من خير يُوفّ إليكم وأنتم لا تُظلمون }
[272 البقرة]

هذا في جانب المعاملات . أما فيما يتعلق بالعبادات :
فبينما كان الفرض على الناس الصلوات الخمس كانت الصلاة في حقه صلى {الله} عليه وسلم : صلوات ست : فرضاً عليه . الصلاة السادسة هي أن يقوم الليل : قائماً راكعاً ساجداً :
} يا أيّها المزّمّل * قم الليل إلاّ قليلا * نّصفه أو انقص من قليلا *
أو زد عليه ورتّل القرآن ترتيلا *
إنّا سنلقي عليك قولا ثقيلا * إنّ ناشئة الليل هي أشدّ وطأ وأقوم قيلا *
إنّ لك في النّهار سبحاً طويلا * واذكر اسم ربّك وتبتّل إليه تبتيلا *
رّبّ المشرق والمغرب لا إله إلاّ هو فاتّخذه وكيلا *
واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا {
[10 المزّمل]
وعندما حاول بعض الصحابة رضوان {الله} عليهم أن يقتدوا به بالصّلاة خلفه وكان يُقيم الليل بالمسجد امتنع عن الخروج للصلاة في الليلة اللاحقة ؛ فسألوه عن ذلك فقال عليه الصّلاة والسلام:
( خشيت أن تكتب عليكم )

وكان عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التسليم يُقيم الليل ليلاً طويلاً حتى تتورم قدماه الشريفتان .
وتتعجب عائشة أم المؤمنين رضوان {الله} وسلامه عليها وتسأله :
{ أو لم يغفر {الله} لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟!}
فيُجيب عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التسليم :
(أفلا أكون عبداً شكورا )
والحق أنّه صلي {الله} عليه وسلم كان كلّه {لله} :
{ قُل إنّني هداني ربّي إلى صراط مّستقيم
ديناً قيماً مّلّة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين *
قُل إنّ صلاتي و نُسكي ومحياي ومماتي لله ربّ العالمين *
لا شريك له وبذلك أُمرت وأنا أوّل المسلمين }
[163 الأنعام].

وبينما كان فرض الصيام على الناس صوم شهر رمضان كان عليه الصّلاة والسلام يصوم يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع , ويصوم الثلاث أيام البيض .
والأيام البيض هي اليوم الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من الشهر الهجري ، فيها يكون القمر بدراً وبذلك تكون الأرض منيرة من على جانبيها . الشمس من جانب والقمر من الجانب الآخر . كما كان عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التسليم يصوم صيام المواصلة : يصوم أياماً بلياليها . ولقد حاول بعض الصحابة رضوان {الله} عليهم أن يفعل مثله ، فنهاهم . قالوا فإنّا نراك تواصل يا رسول {الله} . قال عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التسليم :
( فإنّي لست كأحدكم
أنا أبيت عند ربي يُطعمني ويسقيني )

فهل كان صلّي {الله} عليه وسلم يُطعم ويُسقى كما كانت تُطعم وتُسقى السيدة مريم العذراء عليها السلام ؟
لا ؛ بل إنما هو اليقين عند نفس راضية ومرضيّة ، عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التسليم .
وبناء على ما تقدم فإن الأسس التي يجب أن ينبني عليها الدستور الذي يلبي آمال وتطلعات الإنسان المعاصر للحياة الحرة الكريمة ، هي أسس وقواعد الشريعة الإسلامية مرفوعة إلى مستوى صيغ المعاملات المطبقة في السنة النبوية المشرّفة على الحد الأدنى من التطبيق النبوي والذي يستطيع عامة الناس فهمه واستيعابه ثمّ الالتزام به .
قلنا : [ مرفوعة إلى الحد الأدنى من صيغ المعاملات ].
وذلك لأن الدستور هو جملة القوانين التي تنظم الحياة في مستوى تعامل الناس فيما بينهم .
أما العبادات فلا إكراه في الدين .
وكل من يرى أن ما يعتقده من عقيدة هي الخير الذي يخرج الناس إلى بر الأمان ، وأن ما هو عليها من عبادة هي العبادة الحق في طريق الرجعى إلى من كل الناس إليه راجعون :
فليشمّر ساعده ويدعو الناس إليها بالتي هي أحسن .
فشعار الدعوة على مستوى السنة النبوية المشرفة هو :
{ فذكّر إنما أنت مذكّر لست عليهم بمسيطر }
والدعوة يجب أن تكون بلسان الحال قبل أن تترجم بلسان المقال .
ذلك يعني أن تكون بإبراز النموذج الصالح المستقيم الّذي يكون حجة صاحب الدعوة أمام من يدعوهم لسلوك الطريق الذي سلك .
قال رسول {الله} صلّى الله عليه وسلم :
( لأن يهدي {الله} بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم )
ولقد قال {الله} تبارك وتعالى لرسوله عيسى عليه السلام :
{ يا عيسى عظ نفسك فإن اتعظت فعظ الناس }
هذا هو المنهاج للدعوة وهو مرعيّ ومحفوظ له كامل الحرية في التعبير والحركة بنص الدستور.
{ إنّ الأبرار لفي نعيم * على الأرائك ينظرون * تعرف في وجوههم نضرة النّعيم *
يُسقون من رّحيق مّختوم * ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون }
[26 المطففين].

{ واتّبعوا أحسن ما أنزل إليكم مّن ربّكم
من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون }
[55 الزمر]

مقارنة الحسن بالأحسن
لمزيد من الإيضاح والتوكيد نضع بيانات ما هو حسن من الشريعة في باب المعاملات مقابل الذي هو أحسن وذلك لننتقل من الحسن إلى الأحسن على هدى وعلى بصيرة :-

الدعوة

(لجهادفي سبيل {الله} ) ( الجهاد في {الله} )

النص الشرعي الحسن النص الشرعي الأحسن
*يا أيّها النبيّ جاهد الكفّار والمنافقين وأغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير*
[73 التوبة]

*يا أيّها النبيّ حرّض المؤمنين على القتال إن يكن مّنكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن مّنكم مّائة يغلبوا ألفا مّن الّذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون *[65 الأنفال]
*وأعدوا لهم مّا استطعتم مّن قوّة ومن رباط الخيل تُرهبون به عدوّ الله وعدوّكم وآخرين مّن دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يُوفّ إليكم وأنتم لا تُظلمون*
[60 الأنفال]
فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتّموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كلّ مرصد فإن تابوا وأقاموا الصّلاة وآتوا الزّكاة فخلّوا سبيلهم إنّ الله غفور رحيم*
[5 التوبة]
*وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنة ويكون الدّين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلاّ على الظّالمين*
[193 البقرة]



*قاتلوا الّذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرّمون ما حرّم الله ورسوله ولا يدينون دين الحقّ من الّذين أوتوا الكتاب حتّى يُعطُوا الجزية عن يد وهم صاغرون*
[29 التوبة] * أدع إلى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالّتي هي أحسن إنّ ربّك هو أعلم بمن ضلّ عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين*
[125 النحل]
*ليس عليك هداهم ولكنّ الله يهدي من يشاء وما تنفقوا من خير فلأنفسكم وما تنفقون إلاّ ابتغاء وجه الله وما تنفقوا من خير يوفّ إليكم وأنتم لا تظلمون *
[272 البقرة]
*إنك لا تهدي من أحببت ولكنّ الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين.
[56 القصص]

*لا إكراه في الدّين قد تّبيّن الرّشد من الغيّ فمن يكفر بالطّاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم*
[256 البقرة ]
*ولو شاء ربّك لآمن من في الأرض كلّهم جميعا أفأنت تكره النّاس حتّى يكونوا مؤمنين*
[99 يونس]
*الله خلق كلّ شيء وهو على كلّ شيء وكيل * له مقاليد السماوات والأرض والّذين كفروا بآيات الله أولئك هم الخاسرون*[63 الزمر]
* قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألاّ نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتّخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنّا مسلمون*
[64 آل عمران]
*ولا تجادلوا أهل الكتاب إلاّ بالّتي هي أحسن إلاّ الذين ظلموا منهم وقولوا آمنّا بالّذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون*
[46 العنكبوت]
* وإنّ من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أًنزل إليكم وما أُنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمناً قليلا أُولئك لهم أجرهم عند ربّهم إنّ الله سريع الحساب*
[199 آل عمران]

الاقتصاد

( إخراج الزكاة ) ( المشــاركة )
النص الشرعي الحسن النص الشرعي الأحسن
*خذ من أموالهم صدقة تُطهّرهم وتزكّيهم بها وصلّ عليهم إنّ صلاتك سكن لهم والله سميع عليم*
[103 التوبة]
* ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو كذلك يبين الله لكم الآيات لعلّكم تتفكّرون *
[219 البقرة]












نظام الحكم (السياسة)

( الشورى ) ( الديمقراطية )

النص الشرعي الحسن النص الشرعي الأحسن
* فبما رحمة مّن الله لنت لهم ولو كنت فظّاً غليظ القلب لانفضّوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكّل على الله إنّ الله يحبّ المتوكّلين*
[159 آل عمران]

* فذكّر إنّما أنت مذكّر * لست عليهم بمسيطر*
[22 الغاشية]
* والّذين استجابوا لربّهم وأقاموا الصّلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون.
[38 الشورى]










الاجتماع

( الوصاية ) ( المساواة )
النص الشرعي الحسن النص الشرعي الأحسن
* وإن خفتم ألاّ تُقسطوا في اليتامى
فانكحوا ما طاب لكم من النساء
مثنى وثلاث ورباع *
[3 النساء]

* الرجال قوّامون على النساء بما فضّل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصّالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون نشوزهنّ فعظوهنّ واهجروهنّ في المضاجع واضربوهنّ فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إنّ الله كان عليّا كبيرا*
[34 النساء] * فإن خفتم ألاّ تعدلوا فواحدة *
[3 النساء]
* ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم *
[129 النساء]
* ولهن مثل الّذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم*
[228 البقرة]
* ولا تتمنّوا ما فضّل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما كسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن وسألوا الله من فضله إنّ الله كان بكلّ شيء عليما* [32 النساء]






القضاء

عندما يقوم مجتمع الناس علي المساواة الاقتصادية والمساواة السياسية وفق مبدأ المشاركة ؛ وعندما يكون الناس أحرارا حرية اقتصادية وحرية سياسية وحرية اجتماعية وجب عليهم أن يحكّموا فيهم قوانين الحدود والقصاص حكماً مطلقاً لا مجال فيه للتعزير.
قوانين الحدود والقصاص هي قوانين علاجية تعني بعلاج الأمراض النفسية والاجتماعية الفردية وضبط سلوك الأفراد تجاه بعضهم البعض وتجاه الجماعة.
فالسارق في مجتمع كفل له حقاً معلوما يوفر له كريم الحياة ويحرره من ذل الحاجة ، كما يوفر له علاجا وتعليما بلا مقابل .
هذا السارق لن تتوفر له أي شبهة تدرأ عنه الحد فتقطع يده تلك التي سرق بها وفي ذلك شفاء لعقله المريض .
والنصاب المسروق في هذا المجتمع ليس له حد أدنى :
فمن سرق درهمًا كمن سرق ألف درهم .

ويقاس علي ذلك تطبيق جميع الحدود :
{ ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلّكم تتّقون }
[179 البقرة]

هذا ما كان من أمر شريعة المعاملات وهي شريعة جماعية هي قوانين لتنظيم حياة مجتمع الناس ؛ كلهم جميعا . وهي قوانين لن يفرضها أحد على أحد ولن تُطبق على الناس ما لم يرتضيها غالبية الناس . ذلك لأنه :
{ لا إكراه في الدين }.
أما فيما يتعلق بشريعة العبادات وهي شريعة فردية يلتزم بها من وجد أنها الطريق الصحيح المؤدي إلى نعيم جنّة السلام الداخلي للفرد ، وإلي نعيم حياة الفكر وحياة الشعور. والتطبيق المأمول لهذه الشريعة ، ليس كما في شريعة المعاملات بالانتقال من نصّ حسن إلى نصّ أحسن ولتطبيقها على الجماعة ؛ وإنما تطبيقها يكون بالالتزام الفردي بسمت وسلوك وطريقة التعبّد التي مارسها نموذج الإنسان الكامل محمد بن عبد {الله} عليه أفضل الصّلاة وأتم التسليم .
والفرد الملتزم بطريقة العبادة هذه القويمة ؛ لا يصنّفها بأن هذا فرض وهذه سنة وإنما يلتزم بها كما هي باعتبارها الفرض . وهو له الخيار : أن يلتزم بها جميعا وفي ذلك الفوز العظيم ، أو ينقص منها وفي ذلك تفويت للخير العميم ، أو يتركها وفي ذلك الخسران المبين .
ولا أحد يجبر آخر لأداء فرض العبادة إلا بالدعوة بالتي هي أحسن و إلاّ بالنيّة الخالصة لوجه {الله} في حبّ الخير للآخرين .
والدين النصيحة .
فلا أحد يكفّر آخر ولا أحد يشنّع أو يحتقر أو يكره آخر لتركه العبادة . فإنه :
{ لا إكراه في الدين }
وإنه :
{ وقل الحقّ من رّبّكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر }
[9 الكهف]
وإنه :
{ لمن شاء منكم أن يستقيم * وما تشاءون إلاّ أن يشاء الله ربّ العالمين }
[29 التكوير]

مبادئ دستور الإنسان المعاصر
الحرية الفردية المطلقة
# روح هذا الدستور هي الحفاظ التام للناس على حق الحرية الفردية المطلقة :
فإنّه :
{ لا إكراه في الدين }
# وحق الحياة الكريمة . فإنّه :

{ هو الّذي جعل لكم الأرض ذلولا
فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور }
[15 الملك]
* حق الحرية

1- وعليه ؛ فإن أول الأسس لهذا الدستور الإنساني هو أن كلّ الناس أحرار حرية فردية مطلقة من كل القيود الفكرية والعقائديّة طالما أنهم ملتزمون بالحد الأدنى من قواعد سلوك التعامل الإنساني المنصوص عليها في الدستور .

2- أنّ كل الناس متساوون أمام القانون . فالدستور لا يميّز ذكر على أنثى ولا أبيض على أسود ولا مسلم على مسيحي أو يهودي أو وثني . فالناس جميعهم إنسان كامل الأهلية كامل الحقوق .

قال رسول {الله} صلى {الله} عليه وسلم :

( لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى )

فبالتقوى يتمايز الناس . والدين الحق هو ما أنت عليه من حسن الخلق :
( الدين المعاملة ) و ( خالق الناس بخلق حسن )
والنّص القاطع في ذلك قول {الله} تبارك وتعالى :

{ يا أيّها النّاس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى
وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا
إنّ أكرمكم عند الله اتقاكم
إنّ الله عليم خبير }
[13 الحجرات] .

• حق الحياة الكريمة
3- أن جميع النّاس متشاركون في خيرات الأرض . فلكل فرد إنسان ذكر كان أو أنثى ، طفل ، أو عاجز أو عجوز : حق الكفاف في رزق معلوم بنص الدستور يكفل له الحياة الكريمة ؛ فلا يتعرّض لمذلة الحاجة أو السؤال أو الاعتماد على آخرين .قال محمد النبي عليه أفضل الصلاة وأتم السلام:
( الكفاف من الدنيا دين )

4- أن جميع الناس شركاء في السلطة بصورة مباشرة بكامل الأهلية الفردية الإنسانية .والذين يدلون بأصواتهم هم من بلغ الرشد من الأفراد . وسن الرشد هو الثامنة عشر .وكل قاصر ينوب عنه ولي أمره المعتمد قانوناً من محاكم العدل الاجتماعي . والبطاقة التي تعتمد ذلك هي كرت الأسرة الاعتبارية . وبهذا يكون لكل الناس المشاركة في اختيار من ينوب عنهم علي سدة الحكم بالانتخاب الحر المباشر. فلا أحزاب سياسية ولا جماعات فئوية ولا نقابات مهنية وإنما التمثيل يكون على دوائر سكانية بحتة.

5- أن العلاج من جميع الأمراض حق موهوب وواجب مفروض لكل إنسان بنص الدستور وبلا أي مقابل . وأن المريض الذي يتقاعس عن طلب العلاج يعتبر مرتكبا مخالفة يحاسب عليها ويكون ذلك بإجباره وأخذه عنوة إلي المستشفى.

6- أن التعليم حق موهوب وواجب مفروض لكل إنسان بنص الدستور وبلا أي مقابل . وأن كل من يتسبب بصورة مباشرة أو غير مباشرة في منع أو تعطيل أي فرد من تحصيل العلم يعتبر مرتكبا جريمة يحاسب عليها.

7- أن الأمومة وظيفة تعتبر وتصنف بأنها على رأس قائمة الواجبات الوظيفية في المجتمع .
7/1- أن الاحتضان والرضاعة من صدر الأم لحولين كاملين حق موهوب وواجب مفروض لصالح كل إنسان مولود . والأم التي لا تقوم بذلك تعتبر مرتكبة جريمة تحاسب عليها ما لم يكن لها مبرر يقنع القضاء.

8- أن تستغل جميع الإمكانيات العلمية المتطورة في تنمية الموارد الطبيعية من أجل رخاء البشرية عامة . وأن تسرّح الجيوش وينخرط أفرادها في أعمال التنميّة المختلفة . وأن يتم التخلص من الترسانات الحربية التي تسببت في هلاك البشر . ويكون ذلك بتحويل ما يمكن تحويله إلى وسيلة من وسائل الإنتاج : في الصناعة ، الزراعة والبحث العلمي . وما لم يمكن تحويله يصهر ويعاد تصنيعه أدوات وآلات مما تنفع الناس وتساهم في مسيرة التنمية لتحقيق الرخاء لعامة البشرية .


شرح بنود الدستور تفصيلاً
1- حق الحرية
(أ) الحرية الفكريّة :-
قال رسول السلام والمحبة محمد بن عبد {الله} عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التسليم :
( يولد ابن آدم على الفطرة فأبواه ينصّرانه أو يهوّدانه أو يمجّسانه )
ولقد ورد القول المأثور : [ متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ] . فالحريّة هي فطرت {الله} التي فطر الناس عليها :
{ فأقم وجهك للدّين حنيفاً فطرت الله الّتي فطر النّاس عليها
لا تبديل لخلق الله ذلك الدّين القيّم
ولكنّ أكثر النّاس لا يعلمون }
[30الروم]


هذا الدين القيّم قال عنه الرسول الكريم عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التسليم :
( الدين المعاملة )
( الدين حسن الخلق وحسن الخلق هو خلق {الله} الأعظم )

والدعوة للدين هي محاولة التعرّض لنعمة {الله} .
{الله} هو الهادي وهو الذي يضلل . ألم يقل الرسول الكريم عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التسليم :
( لأن يهدي {الله} بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم )
فأنت لا تهدي وإنما يهدي {الله} بك :
{ إنّك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء
وهو أعلم بالمهتدين }
[56 القصص]
والقول الواضح في ذلك قوله تبارك وتعالى :
{ ولو شاء ربّك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً
أفأنت تُكره النّاس حتّى يكونوا مؤمنين }
[99يونس]

الناس كلهم جميعهم أحرارا حرية فردية مطلقة من كل قيد فكري أو عقائدي.
ولكل فرد أن يعتقد ويعتنق ما يرى أنه الحق .
ولكل فرد حقا مشروعا في الدعوة إلى ما يعتقد أنه الحق.
ولكن بشرط أن يلتزم بقانون الدعوة الدستوري ونصّه :

{ ادع إلى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالّتي هي أحسن
إنّ ربّك هو أعلم بمن ضلّ عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين }
[125 النّحل]

ذلك لأن روح الدستور هي قوله تبارك وتعالى الحكم العدل :

{ لا إكراه في الدين
قد تبين الرشد من الغيّ }
[56 البقرة]

وروح الدعوة هي تبيّن الرشد من الغي وبالتي هي أحسن . أما بنيانها فهو لسان الحال قبل لسان المقال . القول يجب أن يكون بعد الفعل .
قال تبارك وتعالى :
{ يا أيّها الّذين آمنوا
لم تقولون ما لا تفعلون *
كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون }
[2 الصّف]

لقد مضى عهد الإكراه والإرهاب والعنف وأشرقت شمس الحرية على أمّة العقول المستنيرة .
وبناء عليه فإن منع أي فرد بصرف النظر عن معتقداته الفكرية أو إن شئت عن معتقداته الدينية , من الدخول إلى أي أرض مقدسة , يعتبر مخالفاً للدستور .
فللمسيحي أو اليهودي الحق في الدخول إلى الحرم المكي والوصل إلى الكعبة المشرفة . هذا بيت {الله} الحرام يجب أن يكون مفتوحاً أمام جميع خلق {الله} .
ولا يشترط على غير المسلم الداخل إلى الحرم المكي أو الحرم المدني أي شرط إلا شرط التأدب بآداب المسلمين عند الدخول إلى مقدساتهم .
وهكذا سيكون الحال مع جميع المقدسات الأخرى .
مثلاً لا يجوز لأي أحد كان أن يطأ أرض مسجد المسلمين وهو منتعل . وللدفع عن هذا الأمر نذكر أن نبي الإسلام محمد بن عبد {الله} عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم لم يمنع مشركاً , يهودياً أو نصرانياً من الدخول إلى حضرته الشريفة وهو بداخل المسجد .بل وأعظم ما في الأمر ذلك الأعرابي الذي دخل وتبوّل في المسجد ولما قام عليه الصحابة وكادوا أن يؤذوه نهاهم النبي العظيم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم وأمر أن يُراق على مكان النجاسة دلواً من الماء.
ولعله يجب أن نذكر في هذا المقام أن المسيحيين لا يمنعون أحدا من دخول دورهم المقدسة . بل وعلى العكس من ذلك هم يرحبون بمن يعلموا أنه علي غير دينهم . وأكثر من ذلك هم كثيراً ما يسارعون في تقديم يد العون لمن هو ليس على دينهم إن لجأ إليهم يطلب المساعدة .
وعليه فإن الدستور ينص على أن إدارة كل أرض أو دار مقدسة هي من شأن الحكومة العالمية وتحت إدارتها المباشرة تابعة لوزارة المنابر الحرة . وتحت إمرتها يدير المسلمون مقدساتهم . ويدير اليهود مقدساتهم . ويدير النصارى مقدساتهم . وكل فئة غير ذلك تقوم بإدارة مقدساتها تحت إمرة وزارة المنابر الحرة للدعوة الفكرية والعقائدية والتي سيرد ذكرها لاحقاً في هذا الكتاب.

يتبع ( الحرية الإقتصادية )
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوسف هاشم محمد نجم
عضو جديد



ذكر
عدد الرسائل : 8
العمر : 77
تاريخ التسجيل : 20/09/2011

دستور الإنسان المعاصر Empty
مُساهمةموضوع: تابع/دستور الإنسان المعاصر )الحرية الإقتصادية )   دستور الإنسان المعاصر I_icon_minitimeالثلاثاء سبتمبر 20, 2011 2:36 pm


(ب) الحرية الاقتصادية:- قال تبارك وتعالى في محكم تنزيله :
{ ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو }
[219 البقرة]

هذه هي روح الدستور . وهي ركيزة الحرية الاقتصادية التي يقوم عليها قانون المساواة الاقتصادية وتشريع المشاركة في خيرات الأرض .
ونص آخر من القرآن قول {الله} الحكم العدل تبارك وتعالى :

{ والله فضّل بعضكم على بعض في الرّزق
فما الّذين فُضّلوا برادّي رزقهم على ما ملكت أيمانهم
فهم فيه سواء أفبنعمة الله يجحدون }
[71 النحل]

والنص من السنة النبوية المشرّفة هو قول الرسول الكريم عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التسليم :
( من كان عنده فضل زاد فليجد به على من لا زاد له
ومن كان عنده فضل ظهر فليجد به على من لا ظهر له )
وكذلك قوله :
( النّاس أشراك في ثلاثة : الهواء والماء والكلأ)

وهذه هي المقومات الأساسية للحياة . وهو بذلك يقول بأن الناس أشراك في مقومات الحياة الأساسية . وبناء عليه فإن أول القوانين الاقتصادية الدستورية تحرّم تمليك وسائل الإنتاج للفرد الواحد أو لأفراد قلائل في صورة شركة . ذلك لأن مقومات الحياة الأساسية هي ملك للناس جميعاً. وبذلك ينتهي عهد الرأسمالية الاستغلالية وعهد الخصخصة الاحتكارية ويكون الخير مشاعا بين الناس يتقاسمونه بالسوية . قال الرسول الكريم عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التسليم :

( كان الأشعريون إذا أملقوا وهم في سفر
افترشوا ثوبا ووضعوا عليه ما عندهم من زاد
واقتسموا بالسوية
أولئك قوم أنا منهم وهم منّي )
أو كما قال
أو ليس كل الناس جميعهم مسافرون مرتحلون من هذه الدنيا الفانية ؟ كم تستغرق رحلة معمّر في هذه الدنيا الفانية ؟! مائه عام؟ مائه وخمسون عاماً ؟ ثم ماذا ؟ وما هي مائه أو مائتي عام في عمر الزمن ؟! ألا فانتبهوا أيها المرتحلون وتخلقوا بآداب السفر لأنكم حتماً واصلون ، وحتماً سوف تُسألون :
{ يا أيّها الإنسان إنّك كادح إلى ربّك كدحاً فملاقيه }
[6 الانشقاق]

{ ولو شاء الله لجعلكم أمّة واحدة
ولكن يُضلّ من يشاء ويهدي من يشاء
ولتُسألُنّ عمّا كنتم تعملون }
[93 النحل]

قال رسول المحبة والسلام عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التسليم :
( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه )
و
( لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به )

فما هو الذي جاء به عليه صلوات {الله} وسلامه ؟
إن أول ما جاء به هو لسان حاله . هو خلقه . لم يكن عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التسليم ليدّخر رزقاً ليوم غدٍ . ولقد خُيّر بين أن يكون نبيّاً ملكا أو نبيّا عبداً فاختار أن يكون نبيّاً عبداً عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التسليم , قال :

( اللهم أحيني مسكيناً وأمتني مسكيناً واحشرني في زمرة المساكين )

فأين نحن من هذه الشجرة الطيبة ؟ وإلى أين يأخذنا الهوى .
أو ليس في نفس كل منا أن يقول أنا ربّكم الأعلى ألا فانتبهوا أيّها المرتحلون .
أين فرعون وأين كسرى وأين هرقل . بل أين الملوك والقياصرة والأباطرة !!! أين الشيوخ والرؤساء .

{ كلّ من عليها فان *
ويبقى وجه ربّك ذو الجلال والإكرام }
[27 الرحمن]

فالمساواة الاقتصادية هي على رأس مقومات الحرية . ذلك لأن الفقير والمعوز والجائع والطفل والعاجز والعجوز ليس حراً وإنما هو عبد لحاجته لأساسيات مقومات الحياة الكريمة . الحرية والكرامة وجهان لعملة واحدة . ومن أجل ذلك تنص أول القوانين الاقتصادية على كفالة حد أدنى من الدخل لكلّ فرد من الناس كفافاً يكفل له الحياة الكريمة . وفوق هذا الحد الأدنى تتفاوت الدخول بتفاوت مؤهلات ومجهود الأفراد في العطاء.
وكما أن لكل فرد من الأفراد حقاً مكتسباً معتمداً دستورياً , فإن علي كل فرد قادر واجب العمل . والفرد القادر الذي لا يعمل يعتبر مرتكباً جريمتين . الأولى في حق نفسه والثانية في حق المجتمع ولذلك تجب محاسبته . وعليه فإن من أوليات الواجبات الدستورية علي المجتمع أن يوفر فرص العمل لجميع أفراده .
وبناء على ذلك يحدد الدستور ساعات العمل المفروضة على كل فرد في أضيق وقت ممكن وذلك لإتاحة فرص العمل للجميع . والاقتراح الذي نطرحه هو أن الحد الأقصى المفروض دستورياً لفترة دوام العمل الرسمي لكل فرد يجب ألا يتجاوز ثلاث ساعات ونصف متواصلة تتخللها فترة راحة لمدة نصف ساعة تكون فسحة لقضاء مختلف الحاجات الحياتية .
الصورة المثالية الطبيعية المرجوة لفترة دوام العمل لجميع الناس هي من بعد شروق الشمس وتمتد لفترة ثلاث ساعات ونصف لا يكون بعدها انشغال بعمل وإنما يتفرغ الجميع للاستمتاع بالحياة . وحتى يحين تحقيق هذا الظرف على أرض الواقع الحياتي وذلك بتحويل عبء الإنتاج على الآلة , يكون تناوب فردين على الوظيفة الواحدة بمعنى أن كل وظيفة عمل يكون لها ورديتان . تبدأ الوردية الأولى من بعد شروق الشمس إلى قبيل منتصف النهار. وتبدأ الوردية الثانية من بعد منتصف النهار وتمتد إلى قبيل حلول وقت العصر . كل وردية تكون فترتها ثلاث ساعات ونصف منها نصف ساعة للراحة . وبذلك يكون دوام العمل الحقيقي هو ست ساعات متواصلة .
مجتمع على هكذا صورة من تقسيم العمل لا تكون فيه فرصة للبطالة ويكون الجميع يعملون والكل يستمتع بالحياة . وبمقتضى هذا الدستور فإن العمل ليلاً ممنوع منعاً باتاً إلا أن تكون طبيعة العمل في مرافق بعينها كالمستشفيات والمطارات أو أي مرفق آخر تقتضي ظروف تشغيله أن يكون العمل فيه على مدار الساعة ، حينئذ يضاعف الأجر للعاملين في الورديات التي تبدأ من بعد العصر وإلى الفجر .
ذلك لأن سنة {الله} في الكون هي أن يكون النهار معاشاً وأن يكون الليل لباساً :
{ وجعلنا الليل لباسا* وجعلنا النهار معاشاً }
[ 11 النبأ ]

(ج) الحرية السياسية :-
تقوم الحرية السياسية على أساس أن جميع الناس أحرار . وأنه ليس لفرد أو جماعة الحق في التسلط على الآخرين . وأن من ينصّبه الناس حاكما عليهم ما هو إلا موظفاً لديهم . وسيد القوم خادمهم وكما أن الناس شركاء في خيرات الأرض هم أيضا شركاء في السلطة .
والمشاركة في السلطة تجيء بأن يختار الناس بكامل أهليتهم وبإرادتهم الحرة فردا أو أفرادا من بينهم ممن يسكنون معهم ويعاشرونهم ويعرفونهم معرفة حياتية وثيقة ؛ لتولي تصريف أمورهم وإدارة شئونهم الحياتية . ويكون الاختيار لأعضاء مجلس الحكم بالانتخاب الحر المباشر الذي يشترك فيه جميع سكان الدائرة الانتخابية ممن بلغ الثامنة عشر من العمر رجالا ونساء بصرف النظر عن معتقداتهم أو ألوانهم أو سلالاتهم . والدوائر الانتخابية تتدرّج من دائرة الحي السكني ، القرية ، المدينة ، الولاية فالمركز القطري .
سكان الحي ينتخبون من يمثلهم في مجلس إدارة الحي . والتمثيل هذا ما هو إلا تكليف للمرشح للوظيفة الإدارية وليس تشريفا بأي حال من الأحوال . وسكان الدائرة هم أصحاب السلطة في دائرتهم . وهم العين الساهرة على الحقوق العامة لجميع أفراد الدائرة . يمكنهم في أي وقت عزل أو تغيير من انتخبوه ممثلا لهم . فلا حصانة لأي إداري إلا حصانة يكتسبها بحسن الخلق وحسن الأداء والتفاني في خدمة الناس.
ومجلس الحي ينتخب من يمثله في مجلس القرية . ومجالس القرى تنتخب من يمثلها في مجالس المدن . ومجالس المدن تنتخب ممثليها في مجالس الولايات . ويُراعى في تحديد نطاق الولايات التوزيع العادل للكثافة السكانية .
ومجالس الولايات تنتخب من يمثلها في مجلس الحكم المركزي القطري . والمجلس القطري ينتخب من يمثله في المجلس القاري . والمجلس القاري ينتخب وفداً مكلّف ليمثله لدى الجمعية التشريعية الأمميّة العامة . والجمعية العامة للأمم تنتخب مجالس الوزارات العالمية . وهي مجالس تنفيذية واجبها الأول والأخير هو تطبيق الدستور على جميع الشعوب . وذلك بالتوزيع العادل لخيرات الأرض عليهم كلهم جميعا والعمل على تثقيفهم وتعليمهم وتطبيبهم وحفظ أمنهم واستقرارهم وإشاعة السلام في ربوع الأرض . وعلى قرار تكوين هذه المجالس الوزارية العالمية يكون تكوين المجالس القارية فالقطرية فمجالس الولايات فمجالس المدن .



1- المجلس الاقتصادي:-

هذا هو أكبر وأخطر المجالس الوزارية العالمية . إذ تقع على عاتقه أضخم المهمات المتعلقة بحياة البشر كلهم جميعاً . ويتكون هذا المجلس من عدد من المجالس الفرعية:-
* وزارة المياه :-
1- هيئة المياه العذبة.
2- هيئة البحار والمحيطات.

* وزارة الـطـاقــــــة :-
1- هيئة الطاقة النفطية.
{ تشمل جميع ما يستخرج من باطن الأرض كالزيت والغاز والفحم }
2- هيئة الطاقة الكهربائية.
{ تشمل جميع مصادر توليد الكهرباء }
3- هيئة الطاقة الشمسية.
4- هيئة الطاقة النووية.

* وزارة الـتـعـديــــن :-
1- هيئة المعادن والأحجار النفيسة.
{ ذهب،فضة،الماس، بلاتين .....إلخ}
2- هيئة معادن التصنيع .
{ حديد،نحاس،ألمنيوم، يورانيوم.....إلخ}

3- هيئة المحاجر.
{ كل ما يمكن استخراجه من باطن الأرض لمختلف الأغراض بخلاف ما ورد في الفقرة 1 و 2 أعلاه}



* وزارة الـزراعـة :-
1- هيئة الزراعة المروية (أنهار وآبار).
2-هيئة الزراعة المطرية.
3- هيئة الغابات.

* وزارة الصناعـة :-
وتنقسم إلى إدارتين :
1- إدارة صناعة المواد الخام = (الحديد، النحاس ، الألمنيوم ، اليورانيوم ، الأخشاب والبترو كيماويات )
لإنشاء مصانع تصنيع الآلة.وتندرج تحتها الهيئات التالية:
- هيئة صناعة مكنات وعدد تصنيع آليات الإنتاج الزراعي.
- هيئة صناعة مكنات وآليات وأدوات تصنيع المواد الغذائية.
- هيئة صناعة مكنات وآليات وأدوات تصنيع الملبوسات.
- هيئة صناعة مكنات وآليات وأجهزة تصنيع الدواء .
- هيئة صناعة مكنات وعدد تصنيع وسائل النقل.(برية – بحرية – جوية )
- هيئة صناعة مكنات وعدد تصنيع أجهزة وسائل الاتصال.
- هيئة صناعة مكنات وعدد تصنيع الأجهزة المنزلية والمكتبية.
- هيئة صناعة مكنات وعدد تصنيع الأثاث المنزلي والمكتبي.
- هيئة صناعة أجهزة التطبيب : بشري وبيطري.
- هيئة صناعة أجهزة البحوث العلمية :{ فضائية ،أرضية وبحرية }
- هيئة صناعة مكنات وعدد وأدوات تصنيع معدات الفضاء ( صواريخ ومركبات ومحطات فضائية وأقمار صناعية ومراصد أرضية.

2- إدارة مصانع الإنتاج . وتندرج تحتها الهيئات التالية:-
- هيئة مصانع المواد الغذائية.
- هيئة مصانع الغزل والنسيج.
- هيئة مصانع الأدوية البشرية.
- هيئة مصانع الأدوية البيطرية.
- هيئة مصانع الأجهزة المنزلية والمكتبية.
- هيئة مصانع الأثاث المنزلي والمكتبي.
- هيئة مصانع السيارات والدراجات.
- هيئة مصانع وسائل النقل ( طائرات – بواخر – شاحنات )
- هيئة مصانع آليات وآلات الزراعة.
- هيئة مصانع المعدات الفضائية

* وزارة الموارد الطبيعية :-
1- هيئة موارد الغذاء النباتي.
2- هيئة موارد الغذاء الحيواني.
3- هيئة موارد الغذاء من الطيور .
4- هيئة موارد الغذاء السمكي.
5- هيئة حماية الحياة البريّة.

* وزارة النقــل :-

1- هيئة إدارة وسائل النقل البري.
2- هيئة إدارة وسائل النقل البحري.
3- هيئة إدارة وسائل النقل الجوي.

* وزارة الماليـة :-
1- البنك الدولي.
2- هيئة العملة.
3- هيئة ضمان المعاش الاجتماعي.

*وزارة البحوث والتطوير للموارد الطبيعية :-
{ تتفرع منها أقسام بعدد الوزارات المندرجة تحت المجلس الاقتصادي }


2- المجلس الثقافي :-
وتتفرع منه الوزارات المعنية بحياة الناس الفكرية :-
*وزارة التعليم :-
1- هيئة التعليم الأساسي الإجباري.
2- هيئة التعليم الحرفي.
3- هيئة التعليم العالي.
4- هيئة محو الأمية الإجباري.
5- هيئة رعاية النوابغ.
6- هيئة البث التلفزيوني.
7- هيئة البث الإذاعي




*وزارة الفنون :-
1- هيئة الفنون المسرحية والسينما.
{ تمثيل } { غناء } { رقص } { استعراض } .......الخ

2- هيئة الفنون التعبيرية .
{موسيقى}{ كتابة} { رسم } { نحت } {تصوير }

*وزارة التراث الإنساني .
1- المتاحف بمختلف أنواعها 2- المكتبات العامة
3- الهيئة العامة للتنقيب عن الآثار




*وزارة المنابر الحرة للدعوة الفكرية والعقائدية .
1- هيئة الدعوة الإسلامية.
2- هيئة الدعوة المسيحية.
3- هيئة الدعوة اليهودية.
4- هيئة الدعوة لغير الكتابيين.

*وزارة البحوث والتطوير لمناهج التعليم والثقافة.

3- مجلس الصحة العامة :-

* وزارة الطب البشري .
* وزارة الطب البيطري .
* وزارة صحة البيئة.
* وزارة التربية البد نية.
* وزارة البحوث والتطوير لمسارات الصحة العامة.

4- مجلس التخطيط العام:-

*وزارة السكان .
*وزارة التعمير .
*وزارة البحوث والتطوير لخطط استغلال مساحة الأرض.


5- مجلس العدل العام :-
* الهيئة التشريعية العليا.
* هيئة تخطيط توزيع الخيرات.
* الهيئة القضائية .
* هيئة الأمن العام.
* هيئة البحوث والتطوير لسبل إشاعة السلام في ربوع الأرض.


6- مجلس الشئون الاجتماعية :-

* وزارة رعاية الأمومة.
* وزارة رعاية الطفولة.
* وزارة رعاية المعوقين.
* وزارة الأحوال الشخصية.
* وزارة البحوث والتطوير للمجتمعات البشرية.



7- مجلس العلوم الكونية:-
* وزارة علوم البحار.
* وزارة علوم التربة.
* وزارة علوم الغطاء النباتي.
* وزارة علوم الغطاء الجليدي.
* وزارة علوم الفضاء.

هذا التخطيط وهذا التنظيم إنما أوردناه على سبيل المثال للمنحى الذي نرى أن يكون عليه الهيكل التنظيمي لمناشط حكومة الأمم المركزية الدستورية التي تقوم على تنفيذ تشريع السلام الرباني . والذي يُقام على أسس الشريعة الإسلامية الموزونة على مستوى منهج السنة النبوية المشرفة . السنة النبوية المشرّفة التي وُضعت أساسا ومنهجاً حياتيّاً وفكريّاً لتنظيم حياة الناس كلهم جميعاً : بلا إكراه ولا إرهاب ولا وصاية ولا حق للنقض لأيّ كان:

{ فذكّر إنما أنت مذكّر * لست عليهم بمسيطر }
صدق الله العظيم
الدين دين {الله} والأرض أرض {الله} والخير كله خير {الله} ونحن جميعنا {لله} ولا حول ولا قوة لنا إلاّ ب{الله} وإننا جميعنا إليه راجعون .

هذا التخطيط وهذا التنظيم الذي أوردناه لم ينبني على خيال مقطوع الصلة بالواقع الحالي المعاصر . فكل وحدة إدارية ورد ذكرها أعلاه , نجد لها مثيلاً من الواقع المعاش الآن :-
( أ ) مجلس الحي :- موجود في معظم الأحياء المنتشرة في جميع أنحاء العالم .
( ب ) مجلس القرية :- موجود في معظم القرى المنتشرة في جميع أنحاء العالم .
( ج ) مجلس المدينة :- موجود في معظم المدن المنتشرة في جميع أنحاء العالم.
( المدينة مكونة من عدد من الأحياء )
( د ) حكومة الولاية :- موجودة في كثير من الولايات المنتشرة في جميع أنحاء العالم .
( الولاية مكونة من عدد من المدن )
( هـ) الحكومة القطرية :- وهذه معروفة
( و ) الحكومة القارية :- ونجد لها أمثلة ولبنة صالحة لتطويرها حتى تأخذ شكل ومضمون الحكومة القارية . ومن هذه الأمثلة : الإتحاد الأوربي , منظمة الدول العربية , منظمة الدول الأفريقية مجلس التعاون الخليجي وما إلى ذلك من التجمعات القطرية في جميع الأنحاء .
( ز ) الحكومة المركزية العالمية :- وتمثلها منظمة الأمم المتحدة .
(ح) كما أن محكمة العدل الدولية موجودة .

ونحن إذ تيسر لنا بفضل {الله} وبرحمته أن نقدم هذا الإرث الفكري ، بصورة نرجو لها أن تكون ميسرة ومقبولة ، والذي يقوم بنيانه على القرآن العظيم وعلى نهج السنة النبوية المشرفة ، إنما نقدم هذه الدعوة لجميع الأمم :

أمة المؤمنين بالرسول محمد عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التسليم .
وأمة المؤمنين بالرسول عيسى بن مريم كلمة {الله} عليه السلام .
وأمة المؤمنين برسول {الله} موسى كليم {الله} عليه السلام .
وجميع أمم الأرض قاطبة والذين تحيط بأراضيهم السبع بحور سماوات {الله} السبع . نحن ندعو كلّ هذه الأمم على حدٍّ سواء .

فإن أنكر علينا أصحاب العقائد هذا المفهوم لما تيسر من علم العالم العليم بديع السماوات والأرض , فبيننا وبينكم قول {الله} تبارك وتعالى :

{ يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ
فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة
فتصبحوا على ما فعلتم نادمين }
[6 الحجرات]

ألا فهيا هلم إلي الحوض السبيل المتاح للعالمين كافة : أمم الإنس وأمم الجنّ لتكون شربة منه شافية لأسقام وأوجاع العالمين الضاربة في تيه البعد عن {الله} . وإني لأرجو {الله} لي ولكم جميعاً أن يسبق علينا من فيوض رحمته ويتمّ علينا نعمته فيجيء النصر المؤزر والفتح المبين فندخل جميعنا في دين {الله} أفواجا.


{اللهُ}
جلّ جلاله وتباركت أسماؤه

{إنّ الّذين قالوا ربّنا الله
ثمّ استقاموا
فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون}
[13 الأحقاف]

{إنّ الّذين قالوا ربّنا الله
ثمّ استقاموا
تتنزّل عليهم الملائكة
ألاّ تخافوا ولا تحزنوا
و أبشروا بالجنّة الّتي كنتم تُوعدون}
[30فُصّلت]



{بسم الله الرحمن الرحيم }
السودان
أكثر بلد يصلي على النبي محمد بن عبد{الله}
عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.

وشعب السودان أكثر شعب يحب ويعظم النبي محمد بن عبد {الله} عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
و السودانيون رجالاً، نساء شيباً وشباباً، بفضل من {الله} ورحمة، هم أول من يقف صلداً صلباً مقداماً في مواجهة العالمين دفاعاً وفداءً عن سيدهم وحبيبهم وغرة أعينهم محمد بن عبد{الله} عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
ونحن لعلى يقين لا يتطرق إليه الشك لا من بين يديه، لا من خلفه، لا عن يمينه، لا عن شماله، لا من فوقه ولا من تحته بأن السودان هو من سيضع النموذج المرشح لتقديم الحل الناجع لمشكلة الإنسان المعاصر على وجه الأرض.


عزيزي الأخ الكريم / الشعب السوداني
السلام عليكم ورحمة {الله} وبركاته.
هل أدلكم على موقف تصنعونه هو خير مما أنتم فيه وعليه الآن ؟
* السودان الشعب :
من وما هو ؟
هو شعب منّ {الله} عليه بصفات وطبائع تميّز بها بين الشعوب :
الأمانة, البساطة, الكرم, الكرامة, الإيثار, الشجاعة, العزّة والصدق.
هذا أدنى ما هو عليه شعب السودان.
فمن هو هذا الشعب ؟
قال {الله} تبارك وتعالى في محكم التنزيل:

{ وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين * في سدر مخضود * وطلح منضود * وظل ممدود * وماء مسكوب * وفاكهة كثيرة * لا مقطوعة ولا ممنوعة * وفرش مرفوعة * إنا أنشأناهن إنشاء * فجعلناهن أبكارا * عرباً أترابا * لأصحاب اليمين * ثلة من الأولين * وثلة من الآخرين }
[40 الواقعة]

وقال محمد بن عبد {الله} النبي الأمي عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم , عن هذه الآيات الكريمات:

( ألا أن من آدم وإلي ثلة. وأمتي ثلة.
ولن تكتمل ثلتنا إلا برعاة الإبل من السودان ممن يشهدون
{ ألا إله إلا الله} )

* السودان الأرض :
أولا يجب أن نعلم أن الأكوان ومركزها الأرض, هي آيات آفاق الإنسان. وكما أن الإنسان له قلب وله عقل فإن الآفاق أيضا لها قلب كما أن لها عقل.وقلبها وعقلها في مركزها، ومركز الأكوان هو الأرض.
قلب الأرض هو بيت {الله} الحرام في مكه المكرمة.أما عقلها وهو ما يمكن أن نسميه الفؤاد فهو أرض السودان.ومركز أرض السودان في الخرطوم عند الصخرة التي التقى فيها كليم {الله} موسى بنبي {الله} الخضر عليهما السلام, في مقرن النيلين. ومقرن النيلين إشارة حسية لكيفية الانتقال من الثنائية إلى التوحيد.وذلك بالتقاء النيل الأزرق بالنيل الأبيض ومن ثم الاندماج في سليل الفراديس نهر النيل الهابط أرض مصر المؤمّنة.
* السودان الجغرافيا :
موقع أرض السودان بحدوده المنفتحة على الحجاز حيث قلب الأكوان بيت {الله} الحرام, يكاد أن يكون في وسط الأرض.وشكل حدوده كأنها على شكل القلب.كما أن شكل أفريقيا أيضاً كأنه على شكل القلب. فهو قلب على قلب فهو بذلك نور على نور.وسيتم {الله} نوره من على أرض السودان ، ذلك حتماً مقضياً بشّرنا به المصطفى البشير محمد بن عبد {الله} عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
وتتعدد الأجواء في السودان بحيث يستطيع أي إنسان أن يجد ما يستطيع أن يتأقلم عليه من أنماط المناخ المختلفة.


* السودان السكان :
يتكون شعب السودان من أعراق مختلفة متباينة بعادات و تقاليد متباينة ومختلفة. ويدينون بعقائد متباينة ومختلفة كتابية وغير كتابية. وهم بذلك يشكلون نماذج لأنماط البشر على وجه الأرض.

بهذه المقدمة التي قامت المحاولة لاختصار التفاصيل فيها, يكون الاتجاه لمخاطبتكم لبيان وتوضيح الذي هو خير مما أنتم فيه وعليه.فإليك هذه الدعوة المفتوحة الموجهة إلى كل عاقل من خلق {الله} :-



إعـلان فـكـرة إنـشـاء تجمع العصر لتعظيم سيد العصر
إلى: جميع بني الإنسان.
وإلى جميع معشر الجن؛ شيبهم وشبابهم، الصالحين منهم، أبالستهم وشياطينهم.

الموضوع : إنشـاء تجمع العصر لتعظيم سيد العصر
السلام عليكم ورحمة {الله} وبركاته.
{بسم الله الرحمن الرحيم}
{ وَمَن أحسَنُ دِيناً مِّمَّن أَسلَمَ وجهَهُ لله وهُو مُحسِنٌ
واتَّبَعَ مِلّةَ إِبرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتّخَذَ اللهُ إِبرَاهِيمَ خَلِيلاً }


تكوين التجمع
# الاسم : تجمع العصــــر لتعظيم سيد العصر
سيد العصر هو صاحب المقام المحمود عليه أعظم الصلاة وأتم السلام، هو الذي سيأتي ليملأ الأرض عدلاً، سلاماً وأمناً على ميزان المحبة والرحمة.و لا نرى للمقام المحمود من صاحب غير سيدنا وحبيبنا وغرّة أعيننا محمد بن عبد {الله}عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.و معنى تعظيمه هو أن نعمل على تمهيد طريق قدومه المنتظر.

# المرشد:
هو محمد بن عبد {الله}
النبي الأميّ المبعوث رحمة للعالمين كافة. عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
# المقر:
في كل بقعة مباركة من أرض {الله} الواسعة.
وفي قلب كل عبد من عبيد {الله} يسكنه الرب.

# المركز الرئيسي:
ُيشيّد أعظم مبنى بعد الكعبة المكرّمة والمسجد النبوي المشرّف والمسجد الأقصى المبارك على وجه الأرض في البقعة المباركة حيث التقى موسى العقل بالخضر القلب في مقرن النيلين في الخرطوم ليكون مركز الانطلاق لتعظيم النبي محمد بن عبد {الله} والدعوة لتطبيق منهاج السنة النبوية المشرفة.ثم بعد ذلك لاحقاً ليكون مقراً للحكومة العالمية، وبناء على ذلك يجهز هذا المبنى بحيث يلبي أغراض ذلك بصورة شاملة.هذا البنيان يجب أن يشمل استوديوهات للبث التلفزيوني والإذاعي والاتصالات وقاعة مؤتمرات عالمية كبرى بالإضافة إلى المرافق الضرورية لخدمة العاملين.

# الدستور:
هو قول النبي محمد بن عبد {الله}عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم:
( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)
هو المحب المحبوب أول انبثاق الضياء وآخر فيض النور، فهو صلى {الله} عليه وسلم نور على نور.

وإن لم يك المحبوب طوع بنان الحبيب
فارجع البصر كرتين ينقلب إليك بالتطبيب
وإن تكن طوع الأمر جاء به نور الحسيب
تركب الأمر براقا طرف البصر لحضرة أعظم حبيب
فلن تؤمن حتى يكون الهوى فيك رضاء الحبيب
ولن يرضاك إلا أن تكون خالصاً له ومجيب
ولن تكون خالصاً ومجيباً
إلا تكن طوع البنان غير مريب
ولن تؤمن حتى تحب لأخيك ما تحب أن تجنيه
فذلكم إرشاده إن أردت أن تكون له قريب
وعليه فإن هذا التجمع ليس بحزب سياسي ولا بطائفة دينية، ولا برابطة إقليمية.

# الأعضاء :-
هم كافة العالمين من إنس وجن . الطفل والطفلة , الصبي والصبية , الشاب والشابة , الذكر والأنثى .المسلم , المسيحي , اليهودي , البوذي الهندوسي الزرادشتي , الماركسي وجميع من هم بخلاف ذلك من أمة {الله} الذين وسعتهم رحمة الرحمن .

{ يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى
وجعلناكم شعوباً وقبائل
لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم
إن الله عليم خبير}
[13 الحجرات ]





المنهج
* الاقتصاد
مبدأ التجمع فيما يتعلق بالسياسة الاقتصادية التي يجب تطبيقها بين الناس هو مبدأ المشاركة المطلقة. فالأرض أرض {الله}. والمال مال {الله}. والخلق جميعهم عبيد {لله}. وعليه فإن الأرض كلها للناس أجمعين. وخيرات الأرض يجب أن تكون لهم جميعاً في مشاركة مطلقة
وبحقوق متساوية. والمرجع لذلك قول النبي الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم:
( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)

القانون الاقتصادي
[1] الملكية العامة:
{أ} لا يحق لأي إنسان منفرداً أو مشتركاً مع أفراد جماعة, أن يمتلك أي وسيلة من وسائل الإنتاج. ذلك لأن وسائل الإنتاج حق عام لكل الناس.
وتشمل الملكية العامة بالإضافة لوسائل الإنتاج كل الثروات القومية مما يأتي من السماء وما يدب وينبت فوق الأرض وما يُكتنز تحتها والبحار والأنهار وما تحتويه.
[2] الملكية الخاصة:
{أ} المرتفقات:
للفرد أن يمتلك ما يشاء ملكية ارتفاق لكل ما يشتهي أن يكون بحوزته مما يستعمل استعمالاً شخصياً ولا يقتضي تسخير فرد آخر لخدمته. المنزل والحديقة حوله, السيارة وكل وسيلة للمواصلات الشخصية, الأجهزة المنزلية والأثاث والمفروشات, الأجهزة المكتبية والتعليمية والرياضية المختلفة.
والمعني بملكية الارتفاق أن كل هذه الممتلكات الشخصية لا تورث للأبناء بعد الممات وإنما تنتقل إلي الحيازة العامة. بعد ذلك يمكن تحويل منفعتها لأسرة المتوفى ( الأم والأبناء القصّر ) وفق قانون تنظيم الحياة الأسرية وبمقصد الحفاظ على الترابط الأسري حسب الوضع وإلى حين يكوّن كل فرد أسرته الخاصة.
{ب} حق المعاش الأساسي:
يحق لكل فرد منذ بداية الحمل برحم الأم وحتى الممات أن يكون له معاش ثابت بمقدار حد أدنى عام والذي يحفظ له مقومات الحياة الكريمة.
هذا المعاش ( الحد الأدنى العام ) الثابت هو ثابت بمعنى أنه حق أساسي دستوري ولا تملك أي سلطة كانت أن تنتزعه منه.
هذا المعاش يُعدل مقداره بالزيادة أو النقص حسب تطور أو انتكاس مستوى حصيلة الإنتاج العام.

{ج} مخصصات الوظائف العامة:
يخصص راتب فوق الحد الأدنى العام( المعاش ) لكل وظيفة حسب طبيعتها وبمقدار قيمة منفعتها للمجتمع. فإن كان المعاش , مثلاً , بمقدار مائه وحدة نقدية ( وذلك يكفي ويُمكّن من الحصول على جميع الضروريات الحياتية على مستوى الكفاف ) ؛ يكون راتب العامل , مثلاً , مائه وعشرة . ويكون راتب رئيس العمال مائه وعشرين . ويكون راتب الخبير( المهندس ) مائه وثلاثين .ويتم تحديد ذلك حسب حجم الدخل العام ويكون العمل على توحيد هذا الحد الأدنى العام( المعاش ) لكل إنسان على وجه الأرض .

{د} الوظائف وسلم درجات المخصصات:
* سلم الدرجات الوظيفية:
يتكون سلم الدرجات الوظيفية من عدد سبع درجات. أدناها الدرجة الأولى وأعلاها الدرجة السابعة.
وتشمل كل درجة من درجات السلم الوظيفي على سبع مراتب. أدناها المرتبة الأولى وأعلاها المرتبة السابعة.
وتشمل كل مرتبة من مراتب الدرجة الواحدة على سبعة حدود. أدناها الحد الأدنى وأعلاها الحد الأقصى.
{ه} الوظائف:

1- ( الأم ) تعتبر الأمومة وظيفة من أعلى الوظائف وراتبها بمقدار الحد الأقصى للرواتب فوق الحد الأدنى العام بالمرتبة السابعة من سلم رواتب الدرجة السابعة. ويبدأ هذا الاعتبار بمجرد إثبات الحمل. فإن ثبت الحمل تضاف نسبة حق الجنين في (المعاش) إلى راتب الأم. ونسبة حق الجنين في المعاش يقررها قانون تنظيم الأسرة بالتدرج المناسب إلى أن يبلغ المولود أشده حين يبلغ سن الرشد فيستحق المعاش المقرر لكل فرد راشد.
2-( المعلم ) تعتبر وظيفة المعلم المدرس من أعلى الوظائف وراتبها بمقدار الحد الأدنى بالمرتبة السادسة من الدرجة السابعة. ولا يعيين معلماً إلا من تخرّج من دورة تأهيل المعلمين بنجاح . هذه الدورة تكون لمدة سنتين فوق مستوى التعليم الجامعي. وهذه الوظيفة بهكذا مواصفات يبدأ مجالها من رياض الأطفال وإلى أعلى مستويات التعليم.

3-( الممرض ) تعتبر وظيفة الممرض من أعلى الوظائف وراتبها بمقدار الحد الأقصى بالمرتبة الأولى من الدرجة السابعة. ولا يعيين ممرضاً إلا من تخرّج من دورة تأهيل التمريض بنجاح. هذه الدورة تكون لمدة سنتين فوق مستوى التعليم الجامعي.
ويكون راتب وظيفة الطبيب بمقدار الحد الأدنى بالمرتبة السادسة من الدرجة السابعة .

4-( الشرطي ) تعتبر وظيفة رجل الأمن الشرطي من أعلى الوظائف وراتبها بمقدار الحد الأقصى بالمرتبة الأولى من الدرجة السابعة. ولا يتعيّن شرطياً إلا من تخرّج من دورة تأهيل الشرطة بنجاح . هذه الدورة تكون لمدة سنتين فوق مستوى التعليم الجامعي.
وتعتبر هذه الوظيفة من الوظائف المرحلية. ذلك لأنه سيأتي الوقت الذي ينتقل فيه الشرطي من الخارج إلى داخل كل فرد. ولعل هذا القول غير منفصل عن واقع الحياة المعاصر المعاش. والبذرة الطيبة موجودة داخل كل منا وما علينا إلا تعهدها بالرعاية والسقاية حتى تستقيم شجرة طيبة تؤتي أكلها كل حين بإذن الرب الرحمن الرحيم. ولعل مظهر ذلك يتبدى في التصرف العفوي التلقائي وفق قوانين الحق والعدل :-
أ- أرأيت كيف يقف الناس طابوراً أمام منافذ الخدمة. كل ينتظر دوره الذي استحقه ساعة وصوله محترماً حق من سبقه في التقدم عليه.
ب-أرأيت كيف يقف الناس عند إشارة المرور الأوتوماتك عندما تضيء الإشارة الحمراء معلنة للقادمين تجاهها أن قد انتهى حقكم في المرور ليبدأ حق الآخرين. ولا يقطع الإشارة إلاّ من هو جاهل ضعيف الخلق.
ج-أرأيت كيف أن المشتري من مكنات البيع يضع الفئة من النقد ليأخذ مقابلها سلعة بقيمة ما وضعه من نقد.
د- وقس على ذلك شئونا كثيرة وتصرفات عديدة يمارسها إنسان اليوم المحترم في الحياة اليومية.
5-( موظف الخدمة العامة) ونقصد به كل فرد يعمل بصورة مباشرة في خدمة الجمهور ومثال ذلك كمساري المواصلات العامة ومضيفي الطائرات والسفن والفنادق وبائعي التذاكر والمرشدين السياحيين وبصورة عامة كل من تقتضي أعباء وظيفته أن يتعامل مع جمهور الناس بصورة مباشرة. وتعتبر وظيفة الخدمة العامة من أعلى الوظائف وراتبها بمقدار الحد الأدنى بالمرتبة الأولى من الدرجة السابعة. ولا يعيين بالخدمة العامة إلا من تخرّج من دورة تأهيل تكون لمدة سنتين فوق مستوى التعليم الأساسي.
6- ( موظف الخدمة المدنية )
يشمل ذلك كل الأعمال الحرفية المتنوعة والتي لم يأتي ذكرها في البنود من 1 إلى 5 وهي الكتبة، المحاسبين،الإداريين، المزارعين، المهندسين، الصناع ( نجارة - حدادة – سباكة - ميكانيكا – كهرباء- تنقيب – تعدين .......إلخ)، سائقي الشاحنات .......إلخ.
ويتم تحديد مرتبات كل فئة من هذه الوظائف المتعددة المختلفة في سلم الدرجات الوظيفية حسب مقدار المنفعة العامة التي تقدم للمجتمع.



[3] ساعات العمل:
الحد الأقصى المفروض دستورياً لفترة دوام العمل الرسمي لكل فرد هي ثلاث ساعات ونصف متواصلة تتخللها فترة راحة لمدة نصف ساعة تكون فسحة لقضاء مختلف الحاجات الحياتية.
الصورة المثالية الطبيعية المرجوة لفترة دوام العمل لجميع الناس هي من بعد شروق الشمس وتمتد لفترة ثلاث ساعات ونصف لا يكون بعدها انشغال بعمل وإنما يتفرغ الجميع للاستمتاع بالحياة. وحتى يحين تحقيق هذا الظرف على أرض الواقع الحياتي وذلك بتحويل عبء الإنتاج على الآلة, يكون تناوب فردين على الوظيفة الواحدة بمعنى أن كل وظيفة عمل يكون لها ورديتان. تبدأ الوردية الأولى من بعد شروق الشمس إلى قبيل منتصف النهار. وتبدأ الوردية الثانية من بعد منتصف النهار وتمتد إلى قبيل حلول وقت العصر. كل وردية تكون فترتها ثلاث ساعات ونصف منها نصف ساعة للراحة. وبذلك يكون دوام العمل الحقيقي هو ست ساعات متواصلة.
وبمقتضى هذا الدستور فإن العمل ليلاً ممنوع منعاً باتاً إلا أن تكون طبيعة العمل في مرافق بعينها كالمستشفيات والمطارات أو أي مرفق آخر تقتضي ظروف تشغيله أن يكون العمل فيه على مدار الساعة، حينئذ يضاعف الأجر للعاملين في الورديات التي تبدأ من بعد العصر وإلى الفجر.


[4] الأجازات:
* كل فرد بصرف النظر عن طبيعة وظيفته عمل بلا انقطاع في أداء واجبات وظيفته لمدة ستة أشهر متواصلة استحق أجازة لمدة واحدا وعشرين يوماً مدفوعة الأجر.
*كل فرد بصرف النظر عن طبيعة وظيفته عمل بلا انقطاع في أداء واجبات وظيفته لمدة سبع سنوات متواصلة استحق أجازة لمدة تسعة وأربعين يوماً مدفوعة الأجر.
* كل فرد بصرف النظر عن طبيعة وظيفته عمل بلا انقطاع في أداء واجبات وظيفته استحق أجازة لمدة تسعة وأربعين يوماً مدفوعة الأجر عن كل سبع سنوات عمل متواصلة.

[5] التقاعد عن العمل:
لا يتقاعد العامل عن العمل إلا بسبب الحالات التالية:-
أ- المرض الذي لا يُرجى له شفاء.
ب- العاهة المستديمة التي لا تسمح بالعمل.
ج- العجز بسبب كبر السن.
( لا يعتبر كبر السن من أسباب التقاعد، وإنما السبب هو عجز كبير السن عن العمل.والعجز يسفر عن الحالات الآتية:
1- عدم المقدرة على الحركة.
2- العمى المستديم.( بعد فشل كل محاولات العلاج )
3- الطرش المستديم.( بعد فشل كل محاولات العلاج )

وعند التقاعد بسبب الحالات المذكورة أو أي حالة أخرى كانت تصدق عليها محاكم العدل الاجتماعي، يستمر المتقاعد في صرف قيمة آخر راتب كان يتقاضاه بصورة مستمرة حتى الممات.
[6] العطلات العامة:
العطلات العامة تشمل الأعياد الدينية والعقائدية والإنسانية لدى جميع الناس.
وبناء على ذلك تكون العطلة الأسبوعية أيام الجمعة والسبت والأحد.


[7] التوجه العام:
-العمل على تحويل الجهد البشري إلى الآلة وفق تخطيط مرسوم تكون أهدافه تحقيق الراحة الكاملة للإنسان حتى يتمكن من الاستمتاع بحياة الحب والجمال فكراً وذكراً وتسبيحاً بحمد الرب وصلاة وسلاماً وتعظيماً لسيد عباد الرب.

السياسة
مبدأ التجمع فيما يتعلق بسياسة الأمور التي يجب تطبيقها بين الناس هو مبدأ المشاركة المطلقة . فالأرض أرض {الله}. والأمر {لله} من قبل ومن بعد. والخلق جميعهم عبيدا {لله}. وعليه فإن الحاكمية كلها للناس أجمعين. وهي يجب أن تكون لهم جميعاً في مشاركة مطلقة و بحقوق متساوية.

القانون السياسي

1- جميع الأفراد وبصرف النظر عن الجنس, العقيدة, اللون, العرق واللغة متساوون مساواة مطلقة في الحقوق والواجبات.
2- لكل فرد الحق المطلق في اعتناق ما يشاء من عقيدة وبحرية مطلقة من جميع قيود التوبيخ, التعنيف أو القهر والإرهاب.
3- لا يحق لأي إنسان منفرداً أو مشتركاً مع أفراد جماعة, أن يستحوذ عنوة على أي منصب من مناصب السلطة. فالحكم ملك للجميع يتشاركون فيه مشاركة متساوية مساواة مطلقة. وبما أنه وبطبيعة الحال, لا يكون جميع الناس حكّاماً, فالحاكم, وعلى جميع مستويات السلطة, يتم اختياره بالانتخاب الحر المباشر في دوائر انتخابية سكانية بحتة, لا حزبية ولا فئوية عرقية ولا نقابية مهنية.
4- كل فرد من ذكر وأنثى يكون له حق الانتخاب والمشاركة الحرة المطلقة في اختيار ممثل الجماعة في مناصب السلطة الإدارية.الأفراد القصّر تضاف أصواتهم إلى ولي أمرهم الراشد وهو من بلغ الثامنة عشر من العمر. ويثبت ذلك ببطاقة الأسرة الموثّقة من محكمة العدل الإجتماعي بالحي الذي تقطنه الأسرة.
5- ولا يكون أي فرد مهما بلغ من العلم والتجربة مؤهلاً ليكون ممثلاً للجماعة في مناصب السلطة الإدارية ما لم يكمل السن القانونية لمناصب إدارة أحوال الناس العامة . والسن القانونية هي ثلاثة وثلاثين سنة ميلادية.
6- تكون دوائر السلطة الإدارية منفتحة على بعضها في سلم سباعي لولبي على النحو الآتي:-
( أ ) الحي ( ب ) القرية ( ج ) المدينة ( د ) الولاية
( هـ) القطر ( و ) القارة ( ز ) المركزية العالمية

7- تعتبر جميع وظائف السلطة الإدارية ابتداء من مجلس الحي وإلى الحكومة العالمية المركزية, وظائف تكليف وليس بأي حال من الأحوال وظائف تشريف. ولا يحق لأي كان أن يتمتع بحصانة تجنبه المساءلة, إلا حصانة يكتسبها بحسن خلق وتفاني وإخلاص في خدمة الجماعة التي اختارته وأولته ثقتها لرعاية مصالحها العامة.
8- لكل فرد من ذكر وأنثى الحرية الكاملة في التعبير عن الرأي الخاص في جميع مجريات الحياة. هذه الحرية مقيدة بحدود حريات الآخرين. وكسر هذا القيد يعتبر جناية يعاقب عليها القانون مهما كانت درجة التجني فيها ابتداء من نظرة استهزاء, نظرة تهديد وترهيب, كلمة أو عبارة سب وتجريح.







العدالة الاجتماعية
لا يتحقق العدل الاجتماعي إلا بعد التحرر المطلق من قيود عبودية القهر الاقتصادي والإرهاب السياسي, ومن ثم التطبيق المطلق لقوانين الحرية الاقتصادية والحرية السياسية . فالاقتصاد والسياسة هما جناحي براق الحياة الكريمة المبرأة من العبودية لغير {الله} الحي القيوم القاهر فوق العباد.

القوانين الاجتماعية
الحقوق العامة:
1- { الصحة }
يحق لكل فرد رعاية صحية إجبارية وبلا مقابل. ويشمل ذلك التشخيص والتنويم ألسريري مع التغذية بالمستشفيات وكافة الأدوية والعلاجات بما في ذلك من أطراف صناعية وأجهزة طبية آلية أو إلكترونية وجميع ما يمكّن الفرد من مواصلة الحياة الكريمة.


2- { التعليم }
يحق لكل فرد تعليماً إلى أقصى المراحل بلا مقابل.
ويكون إجبارياً حتى إكمال مرحلة التعليم الأساسي العام وهو ما دون التعليم الجامعي التخصصي. وتنص هذه المادة بأن كل من يحول دون تعليم أي فرد بصورة مباشرة أو غير مباشرة يعتبر مرتكباً جريمة من الدرجة الأولى وتوقع عليه أقصى العقوبات.



الحدود الخاصة :
{1} الزواج:
الرجل والمرأة هما القطبين المكونين لوحدة التكوين الاجتماعي. الرجل هو القطب الموجب والمرأة هي القطب السالب. وبتزاوج القطبين تنبثق الحياة في استمرارية مطلقة نهايتها عند {الله} خالق كل شيء وهو الواحد القهار. وبناء عليه تنص هذه المادة الأولى في القانون الاجتماعي على الآتي :-
بما أن المرأة فرد في المجتمع له كامل الحقوق وعليه كامل الواجبات التي على الرجل وعليه فإنه في مجتمع تساوى فيه عدد الرجال البالغين سن الزواج القانوني بعدد النساء البالغات سن الزواج القانوني يعتبر تعدد الزوجات ممنوع منعاً باتاً وقطعياً.

1/1- استثناءات:-
عندما تختل نسبة التكافؤ في الأعداد يكون النظر في مسألة التعدد.
ففي المجتمع الذي كفل للفرد من ذكر وأنثى كامل الحقوق الثلاثة:
( أ ) الحرية الفكرية .
( ب ) الحرية الاقتصادية .
(ج ) الحرية الاجتماعية .
فإنه من حق كل فرد { رجل أو إمرأة } أن يتزوج إذ ما بلغ سن الزواج القانوني.
وسن الزواج القانوني للرجال هو واحد وعشرين سنة .
وسن الزواج القـانـوني للنساء هو ثمانية عشر سنة .
* الإحصاء الاجتماعي :
تقوم وزارة الشئون الاجتماعية بعمل إحصاء دوري يتم كل ثلاث سنوات وذلك بغرض حصر عدد الأفراد البالغين سن الزواج القانوني ومن ثم تعلن النتائج على الملأ وتوثق بذلك شهادة ترفع إلى المجلس التشريعي بالبلاد.وبناء على نتائج الإحصاء يقوم المجلس التشريعي بتعديل القانون الاجتماعي باب تعدد الزوجات إن وُجد أن عدد الأفراد البالغين سن الزواج القانوني من النساء يفوق عدد الأفراد البالغين سن الزواج القانوني من الرجال بالنسبة المطلقة ( 101% ).
ويعلن ذلك مؤشراً استثنائياً للتصريح بالتعدد لزوجتين مقابل زوج واحد . ويستمر سريان هذا الاستثناء إلى مدة الثلاث سنوات، المدة المقررة لإجراء الإحصاء الاجتماعي التالي وبناء عليه تعلن هيئة الإحصاء الاجتماعي قرار استمرار العمل بالتعديل السابق أو إجراء تعديل جديد.
فإن قالت نتائج الإحصاء بأن نسبة عدد النساء البالغات سن الزواج القانوني إلى عدد الرجال البالغين سن الزواج القانوني أصبح ( 201 % ) يصدر التصريح من المجلس التشريعي للسماح بالتعدد لثلاث.
ويصرح السماح بالتعدد لأربع إن بلغت النسبة ( 301 % ).
ويعتبر التعدد لأربع هو أبعد الحدود الاضطرارية لتعدد الزوجات.
تحفٌّظ: لا يكون أبداً تعدد للزوجات إلا بعد المشاورة والقبول والرضاء التام من جانب الزوجة الأولى أو الزوجتين السابقتين أو الزوجات الثلاث السابقات.
هنا تتساءل النساء وماذا لو حدث العكس في ذلك ؟ بمعنى أن نسبة عدد الرجال البالغين سن الزواج القانوني تجاوزت عدد النساء البالغات سن الزواج القانوني ؟ أليس من الطبيعي أن يسمح لامرأة واحدة أن تتزوج بأكثر من رجل واحد؟!


الجواب :-
أولاً : أن يزيد العدد المطلق من الرجال على العدد المطلق من النساء في الظروف الطبيعية، ذلك ليس وارد على الإطلاق . السبب في ذلك في غاية البساطة الفطرية. معلوم أن الذكر قطب موجب. وأن الأنثى قطب سالب. وذلك بفطرت إنشاء الخلق. والحياة على إطلاقها مفطورة من الماء.
{ أو لم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما
وجعلنا من الماء كل شيء حيّ أفلا يؤمنون }
[30 الأنبياء]

فإذا نظرنا إلى جزيء الماء نجد أنه مكون من قطب واحد بطاقة موجبة يزاوج قطبين بطاقة سالبة. ( H2O ) ذرة أكسجين واحدة تزاوج ذرتين من الهيدروجين.والحياة في تطورها تعتمد الانقسام آلية للنمو والتكاثر. وهي في تكاثرها تحافظ باستمرار على نسبة عدد عناصر تكوينها.
انظر إلى الجنين وهو يتكون في الرحم مبتدئا من نطفة تنمو بالانقسام: واحدة تنقسم إلى اثنين فأربع فثمانية وهكذا تسير الحياة في الرحم إلى أن يولد المولود.
{ ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين *
ثمّ جعلناه نطفة في قرار مكين *
ثمّ خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة
فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما
ثمّ أنشأناه خلقاً آخر
فتبارك الله أحسن الخالقين }
[14 المؤمنون]
ثانياً : أن الفعل دائماً هو فعل واحد . وأن رد الفعل يحتمل أن يكون رد واحد كما يحتمل أن تكون له توابع متعددة الوجوه. فالذكر بالفطرة هو القطب الفاعل، والأنثى بالفطرة هي القطب المنفعل.
ومن خصائص فطرت التكوين يمكن للقطب الموجب الواحد أن يستوعب في مداره عدة أقطاب سالبة وذلك بناء على خاصية التجاذب بين الموجب والسالب. ولا يمكن لقطبين موجبين أن يجتمعا في مدار واحد بفطرت خاصية التنافر بين الأقطاب الموجبة.
ثالثاً : طبيعة التكوين الاجتماعي الإنساني هو أن ينتسب الولد لأبيه فيقال فلان بن فلان وليس فلان بن فلانة . فإن تزوجت المرأة برجلين اختلطت الأنساب واختل توازن البيئة الاجتماعية الإنسانية فتحولت إلى بيئة حيوانية.
وبناء على ما تقدم ولمعالجة اختلال التوازن الاجتماعي حين تزيد نسبة عدد الرجال البالغين سن الزواج القانوني (21 سنة ) فتتجاوز عدد النساء البالغات سن الزواج القانوني ( 18 سنة ) ينص الدستور على الآتي:
* في حال أن عدد الرجال البالغين سن الزواج القانوني (21 سنة) تجاوز عدد النساء البالغات سن الزواج القانوني(18 سنة) يرفع السن المقرر لزواج الرجال إلى الحد الذي يساوي بين عدد الطرفين.

1- لا يحق لأي رجل و إمرأة أن يتزوجا سراً. فإن من أول شروط التزاوج هو الإعلان.
2- شروط إبرام عقد الزواج :-
أ – خلو المحل : بمعنى أن نسبة المرأة للرجل لا تقع تحت طائلة المادة الخامسة
( المحرمات من النساء ).
ب- القبول : لا يتزوج رجل وإمرأة غيابياً . ولا يتزوجا إلا من بعد التقائهما وقبول كل منهما للآخر.
ج- الإعلان : لا يصح عقد الزواج إلا بحضور الزوجين وبحضور جماعة من الناس وبحد أدنى اثنين يكونان شاهدين ويتم إثبات ذلك بالتوقيع على وثيقة عقد الزواج كالآتي:
1- الزوجان المتعاقدان على الزواج .
2- الشاهدان العدلان ويعتمدان بأوراق الإثبات المعتمدة.
د- المهر : لا يعتبر المهر العيني شرط صحة لعقد الزواج :
( إن جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه
إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير )
هذا هو المهر الحقيقي المطلوب أن يقدمه كل من أراد الزواج إلى المرأة التي يحب أن تصاحبه على دروب الحياة الدنيا الشائكة.
ولقد زوج النبي محمد بن عبد {الله} عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم, إمرأة لرجل بما كان معه من آيات من القرآن العظيم.
وعليه فإنه لا مهر عيني يدفع عند الزواج حسب القانون الدستوري.

{2} الطلاق:
تقوم علاقة الارتباط بين الزوجين بنسبة متكافئة. ولكل منهما الحق المطلق في فض هذا التعاقد متى ما رأى عدم إمكانية الاستمرار. ولا يكون الانفصال بمجرد إلقاء كلمة الطلاق من أي من الطرفين, وإنما يكون ذلك باللجوء إلى محاكم العدل الاجتماعي المتوفرة في كل حي من الأحياء السكنية. وقضاتها من حكماء الحي المتعايشون مع أهل الحي معايشة لصيقة. ولا يحكم قاضياً واحداً في أي قضية تتعلق بفض العلاقة بين زوجين, وإنما يكون الحكم لقاضيين على أقل تقدير. ولا يقع الحكم إلا بعد المحاولة الجادة والنيّة الخالصة في الإصلاح بين طرفي النزاع.

{3} كفالة الأبناء
كفالة الأبناء عند انفصال الأبوين تكون للأم إلى حين يبلغ المولود سن الثامنة عشر. وذلك ما لم يثبت ثبوتاً قاطعاً عدم أهليتها. والحكم في ذلك يكون لمحكمة العدل الاجتماعي. وللأب الحق في معايشة أبنائه دون المساس بخصوصية الأم. وذلك لأن الأبناء بضع من الأبوين مجتمعين. ولعل في السماح للأب بمعايشة الأبناء فرصة جيدة لعودة الأبوين للاجتماع مجدداً داخل حظيرة الأسرة.

{4} الرضاعة
لكل فرد مولود حق الرضاعة من ثدي الأم التي حملته ثم وضعته. وكل أم تمتنع عن أن ترضع وليدها لحولين كاملين تعتبر مرتكبة جريمة من الدرجة الأولى. وتكون معالجة ذلك تدرجاً : -

(أ) الإرشاد والتوعية (ب) لفت النظر (ج) الإنذار المكتوب (د) الحرمان من حقوق الأمومة .
ولا يتعدى كل ذلك مدة سبعة أيام. ومن ثم يحوّل المولود إلى مرضعة أخرى ترضعه لحولين كاملين ويكون أجرها بمقدار حق الأم الوالدة مضافاً إليه نسبة حق المولود من الحد الأدنى في المعاش المقرر دستورياً.
وبعد الحولين يعاد المولود إلى أمه التي ولدته بكامل حقوق الاثنين معاً. ويكون من حق الأم الوالدة معايشة وليدها دون المساس بخصوصية المرضعة, فلعل ذلك يبعث غريزة الأمومة فيها فتسترد وليدها لترضعه من صدرها. فإن حدث ذلك تعاد إليها كامل الحقوق مع وضعها تحت المراقبة اليومية لسبعة أشهر متتالية.وتكون جميع هذه الإجراءات تحت إشراف محكمة العدل الاجتماعي بالحي بواسطة العدد المناسب من مشرفي العدل الاجتماعي, وهم من السيدات الأمهات ممن تجاوزت أعمارهن الأربعين سنة.

{5} المحرمات من النساء :-
{ حُرّمت عليكم
1- أمهاتكم
2- وبناتكم
3- وأخواتكم
4- وعماتكم
5-وخالاتكم
6- وبنات الأخ
7- وبنات الأخت
8- وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم
9- وأخواتكم من الرّضاعة
10- وأمهات نسائكم
11- وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن
فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم
12- وحلائل أبنائكم الّذين من أصلابكم
13- وأن تجمعوا بين الأختين إلاّ ما قد سلف
إنّ الله كان غفوراً رحيما }
14- والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم
وأحل لكم ما وراء ذالكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين فما استمتعتم به منهن فأتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة إن الله كان عليماً حكيما}
[24 النساء]
















الحدود العامة

1- الخمروالميسروالمخدرات:
تمنع صناعة الخمر ولعب القمار(الميسر) وزراعة وصناعة المخدرات منعاً باتاً.
2- السكر والتخدير:
كل من وجد مخموراً أو مخدراً أو يلعب القمار خارج بيته توقع عليه عقوبة الجلد بعد أن يفيق مما هو فيه وبحضور جماعة من الناس عدد ( ثمانين ) جلدة. ولا يكون الجلد جلداً مبرحاً يتأذى منه الجسد، ذلك لأن المقصود بالعقوبة هو النفس والمراد إذلالها فلعل في ذلك إيقاظ للعقل الذي أراد الهروب من الواقع.
3- التجسس:
يمنع منعاً باتاً مداهمة البيوت الخاصة أو تسورها أو التلصص عليها. فالناس أحرار يفعلون في بيوتهم ما يشاءون وإن زنوا أو صنعوا خمراً فشربوها وسكروا أو لعبوا القمار أو صنعوا مخدراً فتعاطوه. ولا يؤخذ عليهم ذلك ما لم يخرجون به إلى خارج أسوار بيوتهم أو يروجونه.

4- السرقة :
إن من يسرق درهماً كمن سرق ألف درهم لا فرق . فالذي يسرق في مجتمع كفل له حق الحياة الكريمة, فلم يعد محتاجاً, هو فرد مريض وليس له من علاج غير قطع اليد التي سرقت ولا مجال للتعذير في ذلك.
5- القتل:
إن من يقتل نفساً متعمداً مع سبق الإصرار والترصد فلا عقاب له غير أن يقتل.
{ من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه
من قتل نفساً بغير نفسٍ أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً
ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً
ولقد جاءتهم رسلنا بالبيّنات ثم إن كثير منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون *}
6- قطع الطريق :
النهب المسلح وقطع الطريق بدون أن يتسبب ذلك في قتل أحد فإن أقصى عقوبة هي القتل.
تليها عقوبة الصلب.
تليها عقوبة القطع للأيدي والأرجل من خلاف.
وأدنى العقوبات هي النفي من الأرض وتلك هي عقوبة السجن مدى الحياة.
ويجب تجهيز السجون بما يوفر للمسجون حياة طيبة بلا تعذيب ولا أشغال شاقة.
ذلك لأن العقوبة مقصود منها العزل التام عن المجتمع.
ويترك للقضاة تقدير مستوى العقوبة حسب مقدار الأذى الذي وقع على الناس نتيجة لجريمة قطع الطريق.
إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً
أن يُقتلوا أو يُصلبوا أو تقطّع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض
ذلك لهم خزيٌ في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم *
إلاّ الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم }
[34 المائدة ]

7- القصاص :
{ وكتبنا عليهم فيها
أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن
والجروح قصاص
فمن تصدق به فهو كفارة له
ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون }
[45 المائدة ] .
أما بعد,
فإن هذه دعوة لجميع الناس بصرف النظر عن الجنس, العرق, الدين, اللون أو اللغة وذلك للانضمام إلى هذا التجمع. وتبني فكرته والعمل على نشرها بين جميع أفراد أمة {الله} الساكنة فوق أديم أرض {الله} الواسعة وتحت راية رحمته التي وسعت كل شيء. وعلى مرتكزات علمه الذي آتاه لجميع الخلق فلم يميّز.

يا أيها الناس : إن ربكم {الله} هو الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد . وإن أباكم واحد هو آدم عليه السلام . فكلكم لآدم وآدم من تراب.
يا أيها الناس : إن حياتكم لغالية عند {الله} . و{الله} تبارك وتعالى هو من خلقكم وهو عائلكم ورازقكم وهو من إليه ترجعون.
فيا أيها الناس هيا بنا لنصل ما قطعناه من رحم آدم وحواء عليهما السلام. هيا بنا لتغيير أحوال حياتنا العامة وذلك بتغيير حالنا الخاص. فإن الحال العام ما هو غير انعكاس صورة الحال الخاص. و{الله} لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم. وإن أعدى أعدائك هو نفسك التي بين جنبيك.
إن وسيلة التغيير التي ننادي بها هي الاعتصام بحبل {الله}.
وبالاعتصام بحبل {الله} يكون نبذ للعنف في شتى صوره بما فيها العصيان المدني. ذلك لأن العنف هو سلاح الضعفاء. والقوة الحقيقية هي الاستقامة وهي الدعوة بالتي هي أحسن. فادفع بالتي هي أحسن يكون الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم.هذه هي وسيلة الوسائل للتغيير.هي أن نبدأ بأنفسنا نعلمها، نهذبها ونقومها، حتى إذ ما استقامت النفوس تغيير الحال العام بصورة تلقائية بسلاسة مرضية وهدوء مطمئن.
وإن الهدف الذي نسعى مجاهدين في {الله} من أجله ليس على التحقيق هو سلطة الدولة.وإنما وبكل تأكيد أننا نسعى ونجاهد حتى نحقق دولة السلطة. ونعني بدولة السلطة عموم الشعب بكل أفكاره المتباينة ومعتقداته المختلفة. فالشعب عندنا هو عامة الناس، هو كل وجميع بني الإنسان بصرف النظر عن العقيدة، الجنس، العرق، اللون أو حتى اللغة.
وأعلموا أيها الناس بأن {الله} تبارك وتعالى هو الهادي وهو الذي يُضلل. وأن الأمر بيده ولا يدخل الوجود من شيء إلا بإرادته. فهو من ينصب الحكام وهو الذي يسلط الطغاة والجبابرة. فإن أردتم الخلاص منهم في الحال العام فتخلصوا مما بأنفسكم من صفاتهم. فقانون أمر {الله} هو :

{ فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره * ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره }
[8 الزلزلة]

{ ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلماً ولا هضما }
[112 طه]
قال تبارك وتعالى :

{ وإذا أردنا أن نُّهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها
فحقّ عليها القول فدمّرناها تدميرا *
وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح
وكفى بربك بذنوب عباده خبيراً بصيرا }
[ 17 الإسراء ]

يا أيها الناس تعالوا واجتمعوا إلى كلمة سواء بينكم ألا تكون العبادة إلا {لله} الواحد القاهر فوق العباد. والخلق جميعهم عيال {الله}. فأحبهم إلى {الله} أنفعهم لعياله.
وإني لأرجو {الله} لي ولكم جميعاً أن يهدينا إلى سواء السبيل.
لعله واضح مما تقدم أن هذه الدعوة ما هي غير الدعوة إلى تطبيق شرع {الله} متنزلاً مما أُنزل إلى أرض الإنسان المعاصر عملاً بالمعنى الذي يدل عليه قول محمد بن عبد {الله} عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم:
( نحن معاشر الأنبياء أُمرنا أن نخاطب الناس على قدر عقولهم )
ودليل صحة هذا الحديث الشريف قول {الله} تبارك وتعالى:
{ بالبينات والزبر وأنزلنا إليك الذكر لتبيين للناس ما نُزّل إليهم ولعلهم تفكرون }
[ 44 النحل].
{ ولعلهم يتفكرون } هذه إشارة واضحة لا غموض فيها ولا تحتاج إلى تأويل.
وهي, وبما شرحه النبي الكريم محمد بن عبد {الله} عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم بقوله:
( إنما أنا قاسم و{الله} يعطي )
وذلك يعني أن النبي عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم, إنما بيين لنا الوسائل العملية لحفز وشحذ العقول لكي تتفكر حتى تنجلي لها الحقائق. وهي تعني أيضاً أن التبيين لا ينفك مستمراً وأن محمد بن عبد {الله} عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم لا يزال هو النبي الخاتم ، هو الرسول الأول وهو الرسول الآخر إلى أن تقوم الساعة.
ويدعم ذلك قوله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم:
( من عمل بما علم أورثه{ الله} علم ما لم يعلم )
وهذا شرح لقول {الله} تبارك وتعالى:
{ واتقوا الله ويعلمكم الله }
[282 البقرة]
فالتقوى عمل يوصل إلى العلم.
وشرع {الله} المتنزل إلينا في يومنا وعصرنا الحاضر هو خطاب النبي محمد بن عبد {الله} عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ,على قدر عقولنا الحاضرة المعاصرة.
ومن باب { ولعلهم يتفكرون } دعنا نفكر : نضع افتراضا لنظرية نتصور أن نتائجها هي ما سيكون عليه خطاب النبي محمد بن عبد {الله} عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم , لوقتنا الحاضر وعلى وفق تطلعاتنا واحتياجاتنا ومقدرتنا علي التطبيق.
الافتراض : أن محمد بن عبد {الله} عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم قد بعث إلى العالمين في هذا اليوم الحاضر الذي نحن فيه الآن .
وعناصر هذا الافتراض أسئلة نحاول إيجاد الأجوبة المناسبة والصحيحة لها :-
1- كيف سيكون شكل الدعوة إلى دين {الله}. هل سيطبق علينا قول {الله} تبارك وتعالى وقوله الحُكمُ العادلُ الحكيم:
{ فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم
وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد
فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة
فخلوا سبيلهم
إن الله غفور رحيم }
[5 التوبة]
وهذا هو حكم الوصاية الرشيدة

أم أنه, عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم, سيطبق علينا قول {الله} تبارك وتعالى وقوله الحكمة القائمة على ميزان الحق والعدل:-

{ أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن
إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم المهتدين }
[125 النحل]
وقوله تبارك وتعالى :
{ لا إكراه في الدين
قد تبين الرشد من الغي
فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله
فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم}
[256 البقرة ]
وهذا هو حكم الحرية وعدم الوصاية والسيطرة.
اقرأ:
{ فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر }
2- هل سيتوج نفسه ملكاً, إمبراطوراً أم أنه عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم سيكون رئيساً للجمهورية الديموقراطية.
ولا ننسى أنه كان قد خُيّر بين أن يكون نبياً ملكاً أو أن يكون نبياً عبداً{لله}. فاختار عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم أن يكون عبداً. والخيار {لله} من قبل ومن بعد.
3- هل سيقرّ الرأسمالية أم أنه سيوزع خيرات الأرض بين خلق {الله} بالتساوي:
{ ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو}
وهل سيقول عن الديمقراطية بأنها رجس من عمل الشيطان.
4- هل سيقر تعدد الزوجات أم أنه سيطبق:
{ ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف }.
5- هل سيعزل النساء عن الرجال و يجبرهن على البقاء في البيوت.أم أنه سيساوي بين النساء والرجال في الحقوق والواجبات.
6- هل سيشرّع أن تكون أربع زوجات لرجل واحد. وأن تكون شهادة امرأتين مقابل شهادة رجل واحد وبالتالي سوف يحرم المرأة من تولي المناصب القيادية وبصفة خاصة القضاء.
7- هل سيقر بيت الطاعة.
8- كيف سيكون تطبيقه لقول {الله} تبارك وتعالى:
{ خذ العفو وأمر بالعرف واعرض عن الجاهلين }
9- هل ستكون له طائرة خاصة وما هو نوع السيارة التي سيقتنيها وهل سيكون له سائق خاص.
10- هل سيكون له قصر وخدم وحشم.
11- هل سيلتحي.
12- هل سيرتدي بدله ثلاث قطع وربطة عنق.أم أنه سيرتدي ما كان يرتدي في القرن السابع وهو الذي يشبه ما يلبسه أهل السودان.
13- هل سيسافر إلى الآفاق يدعو الناس أم أنه سيخاطبهم عبر القنوات الفضائية.
14- هل سيزور متاحف النحت والتصوير أم أنه سيأمر بتدمير رموز الشرك.
15- هل سيحرم على الناس الرقص والغناء والموسيقى.
16- هل سيمنع المسلم أن يقول لغير المسلم: السلام عليكم ورحمة{الله} وبركاته.
17- هل سيأمر أن تُرمى إسرائيل إلى البحر.
18- هل سيأمر بأخذ الجزية من أهل الكتاب غير المسلمين.
19- هل سيبيح شرب الخمر وأكل الميتة ولحم الخنزير.
20- هل سيجبر الناس على العبادة أم أنه سيطبق أمر {الله} تبارك وتعالى:
{ لا إكراه في الدين}
{ فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر}
{ إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء }

21- هل سيمتلك أي أسلحة نووية. وهل سيحرم ارتياد الفضاء وأعماق البحار.
22- هل سيبيع الدواء.
23- هل سيفرض رسوماً على التعليم.
24- هل سيتجاوز عن قوانين الحدود والقصاص.




أخي العزيز السوداني ود البلد,
ليس كل الذي ورد أعلاه غير تقديم محمد بن عبد {الله} عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم, كنموذج للإنسان المستقيم الذي يجب علينا أن نحذو حذوه. نجعله المثل الأعلى للإنسان المعاصر. نسعى بكل الجهد لنطبق على حياتنا نمط سلوكه الإنساني البشري. وعلى رأس هذا:

( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه )
( لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به )

فما هو هذا الذي جاء به ؟
القرآن ؟... لا .
هو لم يجيء بالقرآن. القرآن الكريم كلام {الله} الحكيم أنزل عليه وأُمر بتبليغه للعالمين كافة.
إن الذي جاء به محمد بن عبد {الله} عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم: هو ما كان عليه في خاصة نفسه من توحيد وخلق واستقامة وسلوك حياتي بشري ومنهج للعمل الفردي في سبيل الترقي والتقويم بالقسط المستقيم الموزون لكل نواحي الجسد والنفس والعقل. والمطلب السامي الذي يريد بلوغه هو:
{ عسى أن يبعثك ربك مقاماً محمودا }
أخي ؛ يا كل فرد من الشعب السوداني ؛ العزيز ,
إن هذه الرسالة الموجة إليكم في المقام الأول هي أيضاً موجه إلى كل فرد بشري يقيم على أديم أرض {الله} الواسعة.
وأول الأفراد هم أنتم أيها السودانيون [الغبش] المحبون [ الشرقانين ] بمحبة المصطفي عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم. فأنزلوه دياركم الطيبة واجعلوه في سويداء قلوبكم لينبثق عنها النور المبين شعاعاً يعم العالمين .
وأنتم يا أخوانا الكبار ولاة أمورنا في شمالنا وجنوبنا ، في شرقنا وغربنا
لتكن أولياتكم حباً في {الله} تبارك وتعالى وفي رسوله الذي أرسله رحمة للعالمين أن تسعوا وتجتهدوا لقيام الدولة الاتحادية ( الفدرالية ) تتشكل من سبع ولايات متحدة :-


الولايات السبع السودانية المتحدة:
1- الولاية الأولى – الوسطي – الخرطوم حيث الحكومة المركزية .من خط العرض 15 جنوباً وإلى خط العرض 16 شمالاً . ومن خط الطول 32 غرباً وإلى خط الطول 35 شرقاً.

2- الولاية الثانية – النيلين:- من خط العرض 15 جنوب الخرطوم شمالاً إلى خط العرض 10 شمال ملكال جنوباً ومن خط الطول 32 غرباً إلى خط الطول 35 شرقاً.

3- الولاية الثالثة _ الجنوب :- من خط العرض 10 شمال ملكال وإلى أقصى الحدود الجنوبية الشرقية والجنوبية والجنوبية الغربية مع إثيوبيا, كينيا , أوغندة , زائير وجمهورية أفريقيا الوسطي وتشمل :- أعالي النيل / جونقلي / بحر الغزال / الاستوائية شرقاً وغرباً و البحيرات .


4- الولاية الرابعة – دار فور :- من خط الطول 32 شرقاً وإلى أقصي الحدود الغربية مع تشاد . ومن خط العرض 10 جنوباً وإلى خط العرض 15 شمالاً.

5- الولاية الخامسة – الشمالية : من شمال الخرطوم نزولاً بشرقها حتى خط العرض 15 جنوباً وإلى أقصى الحدود الشمالية مع مصر. ومن خط الطول 30 غرباً وإلى خط الطول 35 شرقاً.


6- الولاية السادسة – الشرقية : من أقصى نقطة جنوب النيل الأزرق عند التقاء خط الطول 35 بالحدود مع إثيوبيا وإلى أقصى الحدود الشمالية مع مصر. ومن خط الطول 35 غرباً وإلى أقصى الحدود الشرقية مع إثيوبيا واريتريا والبحر الأحمر.

7- الولاية السابعة – الصحراء : من خط العرض 15 جنوباً وإلى أقصى الحدود الشمالية مع مصر , ومن خط الطول 30 شرقاً وإلى أقصى الحدود الغربية مع ليبيا وتشاد .


ثم من بعد ذلك فلتعلنوا أن نظام الحكم سيكون ديمقراطياً اتحادياً.
و ليكن لكل ولاية أن تختار من يمثلها في مجلس الشعب الاتحادي المركزي.
وليكن لمواطني كل ولاية أن يعتنق كل فرد منهم ما يشاء من معتقدات.
و ليوقف الاتجاه نحو الخصخصة وليكن العمل على حصرها في أضيق حدود ممكنة وخاصة في الزراعة والصناعة والصحة والتعليم.
اسحبوا البساط من تحت أقدام الرأسمالية القاتلة لإنسانية الإنسان.
وأعملوا على توسيع رقعة القطاع العام بكل ما أوتيتم من قوة.
تقسيم الدخل القومي
ثم اعملوا على توزيع الدخل القومي بالتساوي بين الولايات بنسبة عدد مواطني كل ولاية. وذلك بعد تأمين احتياطي اتحادي يكون بنسبة 30 % من إجمالي الدخل القومي لتنمية البنية التحتية الاتحادية القومية.
وتوزع ال70% الباقية على النحو التالي :-
• 20% معاشات أساسية .وهي نسبة الخمس الذي كان مخصصاً لإعاشة آل البيت الشريف المشرف بعدم قبول مال الزكاة والصدقة لأنها أوساخ الناس وهي لا تجوز لمحمد ولا لآل محمد عليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم.
• 20% أجور ومرتبات
• 30 % للخدمات العامة : مدارس , مستشفيات ومرافق عامة.



هل ينقص السودان شيء من أن يكون نموذجاً للعالمين ؟
* الإنسان السوداني ما أكرمه وما أطيبه.
• الأرض الخصبة الصالحة ما أوسعها.
• المياه العذبة ما أوفرها.
• كنوز ما تحت الأرض ما أكثرها.
إذن فما الذي يؤخرنا ؟
يؤخرنا هذا الجشع المزري من البعض للثروة والسلطة.
و لربما كان ذلك يكون مبرراً لو أن الناس خالدون على الأرض.
أو لو أن الثروة تدوم.
أو لو أن السلطة أبدية.
ونذكر فلعل الذكرى تنفع :
{ كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام }



فما هو وجه الرب تبارك وتعالى الذي يدوم ويبقى ؟
* إنه المحبة وهي العروة الوثقى لا انفصام لها.
* إنه العلم, المعرفة, الفهم و الإدراك.
* إنه الجمال و الإبداع.
* إنه الصحة والعافية.
* إنه الاستقامة.
* إنه حسن الخلق : العزة , القوة , الحلم , الصبر, الحكمة , الرحمة , اللطف , الود , السلام الإيثار , الكرم , النفع , الكرامة , التواضع, الشكر, البر , التقوى ~~~

وعلى {الله} قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين.
والسلام عليكم ورحمة {الله} وبركاته.


خاتمة
ونحن وقد تيسّر لنا كتابة هذا الكتاب بتيسير {الله} وتوفيقه نستشعر بأنه لولا أنّ {الله} سبحانه وتعالى قد أذن بذلك لما تيسّر لنا أن نكتب حرفاً واحداً .
ونحن إذ تيسر لنا أن نقدّم هذه الدعوة لا ندّعي علماً لم يعلمه غيرنا , بل نحن نبتهل للمولى عزّ وجلّ أن يجزي عنا خيراً والدينا وأساتذتنا رحمهم {الله} رحمة واسعة وأدخلهم في كنفه من أوسع أبواب الرضا وفي بحبوحة أنسه مع الصديقين والشهداء وأن يجعلهم من أولئك الذين قال عنهم نبيّ {الله} محمد بن عبد {الله} عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التسليم :
( رأيت قوما من أمّتي على منابر من نور
يمرون على الصّراط كالبرق الخاطف
نورهم تشخص منه الأبصار
لا هم بالأنبياء ولا هم بالصّدّيقين ولا هم بالشهداء
إنهم قوم تقضى على أيديهم حوائج الناس )
ونحمد {الله} حمداً كثيراً طيباً مبارك فيه بإذنه سبحانه أن ألهمنا ويسّر لنا هذا الإقدام ونحن نرجو أن يكون ما نحن فيه من فهم كما في قوله تبارك وتعالى :
{ ففهمناها سليمان }
والحمد {لله } رب العالمين والسلام على المرسلين من آدم إلى موسى وعيسى
وأفضل الصلاة وأتمّ التسليم على خير الأنام محمد بن عبد{ الله} رسول رب العالمين .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
دستور الإنسان المعاصر
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى شباب المغرب :: المنتديات العامة :: المنتدى العام-
انتقل الى: